وأمَّا قوله: " تبكِّي بعين " البيت، فقد أخذه ديك الجنّ فقال:

حمائمُ وُرقٌ في حمَى وَرَقٍ خُضر ... لها مقلٌ تُجري الدُّموعَ ولا تجرِي

تكلَّفنَ إسعادَ الغريبة إذ بكتْ ... وإنْ كنَّ لا يدرينَ كيف جوَى الصَّدرِ

لها حُرَقٌ لو أنَّ خنساءَ أعولَتْ ... بهنَّ لأدَّتْ حقَّ صخرٍ إلى صخرِ

فقلتُ لنفسي ههنا طلبُ الأسَى ... ومَعدنُه إذ فاتني طلبُ الصِّبرِ

طلَبنا ولو أُعطَى المنَى لصحبتُها ... حَماماً ولو تُعطَى المُنَى لروتْ شِعري

ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول ابن المعتز:

وبكيتُ من حُزنٍ لنوحِ حمامةٍ ... دعتِ الهديلَ فظلَّ غيرَ مُجيبها

ناحتْ ونُحنا غير أنَّ بكاءَنا ... بعيوننا وبكاؤها بقلوبِها

نذكر ههنا قطعةً نختارها من مراثي العرب إذ كانت مراثيهم تصدر عن قلوبٍ قرحةٍ فتجود لذلك ألفاظها وتحسن معانيها، فمن ذلك قول الشَّمردل يرثي أخاه:

أَلوف لأضياف الشِّتاء كأنَّما ... يراهُ الحَيا أيتامُهُ وأراملُهْ

رخيصُ نضيجِ اللَّحمِ مُغْلٍ بِنيِّهِ ... إذا بردتْ عند الشِّتاءِ أناملُهْ

إذا ما أتَى يومٌ من الدَّهر بيننا ... فحيَّاك عنِّي شرقُهُ وأصائلُهْ

وكلُّ سَنا صبحٍ أضاءَ ومغربٍ ... من الشَّمس وافَى جُنحَ ليلٍ أوائلُهْ

أبَى الصَّبرَ أنَّ العينَ بعدك لم تزلْ ... يخالطُ جفنَيها قذًى لا يزايلُهْ

وكنتُ أُعيرُ الدَّمعَ قبلك من بكَى ... فأنتَ على مَن ماتَ بعدك شاغلُهْ

يذكِّرني هيفُ الجنوبِ ومُنتهَى ... نسيم الصَّبا رمْساً عليه جنادلُهْ

وهاتفةٌ فوقَ الغصونِ تفجَّعتْ ... لِفقدِ حمامٍ أفردتهُ حبائلُهْ

وسَورةُ أيدي القوم إذ حُلَّتِ الحُبَى ... حُبَى الشِّيب واستَغْوَى أخا الحِلم جاهلُهْ

فعينيَّ إذ أبْكاكما الدَّهرُ فابْكِيا ... لمنْ نصرُهُ قد بانَ منَّا ونائلُهْ

إذا استعبرتْ عُوذُ النِّساء وشمَّرتْ ... مآزرَ يومٍ لا تُوارَى خلاخلُهْ

وثِقْنَ به عند الحفيظة فارْعَوَى ... إلى صوتهِ جاراتهُ وحلائلُهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015