فقال: الهنيدة يا أمير المؤمنين! فأمر له بمائة ألف درهم، وكسوة، وانصرف.
749 قال أبو علي: والعرب لا تكره ذلك، إذا اختلف اللفظان، جاءوا بالاسمين جميعاً، فيجرو [نهما] على جهات منه كما يجرون الآخر منهما على الأول، تأكيداً لشبه ألصق به، ومنه ما يعطفون الآخر منهما على الأول بحرف عطف، وأشد ما يضيفون الأول منهما إلى الآخر، فما جاء منه توكيداً قول رؤبة: "أعد وقد هش الفارع السبهلل" وقول الجعدي "فإني قصدك مني صلدم ضمم" وهما بمعنى الشديد وقول رؤبة "قلت وقولي صائب سديد" وهما بمعنى واحد، ومما جاء معطوفاً قول الحطيئة [طويل] :
ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد
وهما بمعنى واحد، وقول الخنساء [طويل] :
[أعيني هلا تبكيان على صخر] ... بدمع حثيث لأبكي أو لا نزر
ومما جاء [طويل] :
كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد
والخلايا هي السفن، وقول أبي ذؤيب الهذلي [طويل] :
فإن تك أنني من "معد" كريمة ... علينا، فقد أعطيت نافلة الفضل
هذا باب
750وذلك أنه تجيء في كلام العرب [أمثال] يضربونها تدل على معنى ما أرادوا بها، فيلفظون الشيء وهم يريدون غيره، فيستدل باللفظ على ما يراد من ذلك، كقول الراعي يصف سيوفا [طويل] :
وبيض رقاق قد علتهن كبرة ... يداوي بها الصاد الذي في النواظر
وإنما هذا مثل، والصاد: داء يأخذ البعير في رأسه فيطيح برأسه، ويرفعه والمعنى أن من كان متكبراً طامح الرأس كالبعير الذي به الصاد، داويناه بهذه السيوف.
751 وقول جرير: "وإني امرؤ أحسن غمز الفائق" والفائق] عظم في مؤخر الرأس، أي أعالج من به هذا [الداء] فهذه كلها أمثال.
ومأثور من الهندي يشفى ... به رأس الكمي من الصداع
جاؤوا مخلين فلاقوا حمضاً ... [طاغين لا يزجر بعضهم بعضاً]
مخلين: يأكلون الخلة، قال أبو علي: المخل الذي تأكل إبله الخلة فتشتهي الحمض، والمعنى أنهم جاءوا يشتهون الشر، فوجدوا من شفاهم.
تمشي حرام باليفاع كأنها ... تشاوى وفي أثوابها دم سالم
يقال: "دم فلان في ثوب فلان" إذا كان قتله.
هذا باب
على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا
والمعنى أنه ليس فيه منار يهتدي به.
وصم صلاب ما يقين من الوجى ... كأن مكان الردف منه على رال
هذا باب
الواطئين على صدور نعالهم ... يمشون في الدفئي والأبراد
وليس يطأون على الصدور دون الأعقاب، والمعنى أنهم يلبسون النعال
وقوم كرام أنكحتنا بناتهم ... صدور السيوف والرماح المداعس
أي السيوف.
يهتز في طرف العنان كأنه ... جذع إذا فرع النخيل مشذب
يريد يهتز في العنان.
هذا باب
760 قال أبو علي: وذلك أنهم إذا أعملوا في الشيء فعلاً، ثم عطفوا عليه شيئاً آخر، أجروه عليه، وإن كان مما ليس يعمل في الفعل إذا كان إلى جنبه، فلا يتكلمون به إلا معطوفاً، فيقولون: أكلت خبزاً ولبناً.
وأكلت خبزاً وماءً، ولا يقولون: أكلت لبناً، ولا ماء، ولكنهم يجرون على الأول، فما جاء في الشعر من هذا الباب قولهم: يا ليت زوجك غدا سيفاً ورمحاً"، وقال بعض الرجاز "شراب ألبان وتمر وأقط" وقال الآخر [طويل] :
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه أن مولاه قابله وفر
ومثله قول النابغة [كامل] :
ورمت إلى بمقلة مكحولة ... نظر المريض إلى وجوه العود