فقد كنت لي حصناً من الدهر مانعاً ... ويطلب خوفاً أن يسألني الدهر
وقد كنت استعفى ألا له إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر
أأسعى لأحظى منك بالأجر إنه ... لسعى إذا مني إلى الله خائب
غتبان قد كنت امرأ لي جانب ... حتى رزيتك والجدود تضعضع
قد كنت أشوس في المقامة سادراً ... فنظرت قصدي واستقام الأخدع
فلمن أقول إذا تلم ملمة.. ... أرني برأيك أم إلى من أفزع
679 أخبرني علي بن هرون قال أخبرني يحيى بن علي قال أخبرني أبو هفان قال أشعر أبيات قيلت في الحساد والدعاء لهم بالكثرة، أربعة، فأولها قول الحبيب بن معروف بسيط:
يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي ... من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد
لا ينقص الله حسادي فإنه ... أسر عندي من اللائي لها الودد
وثانيها ما قال عروة بن أذينة بسيط:
إني رأيتهم في كل منزلة ... أجل فقداً من اللائي يحبونني
ثالثها وقول نصر بن سيار بسيط:
إني نشأت وحسادي لهم عد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عدداً
رابعها وقول معن بن زائدة بسيط:
إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوماً غير محسود
ما يحسد المرء إلا من فضائله ... بالعلم والظرف أو بالبأس والجود
680 أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني عون بن محمد الكندي قال: قال لي أبو تمام: لم يقل في الدعاء للحساد ووصف فضل المحسود أحسن من قول زهير، وهو أول من تكلم به بسيط:
لو كان يقعد فوق النجم من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من كرم ... لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيها جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود
682 قال أبو علي: البيت الثاني من هذين البيتين من المعاني العقم التي لم تفترع قبل أبي تمام، ولو تولدت لأحد بعده ولا يقول شاعر آخر أبعد من مراده، على متعاطيه وقد زعم لا علم لهم بمكامن الأشعار، ولا تثقفوا بما في المعاني، منهم القاسم بن مهرويه، بأن أبا تمام لم يسبق إلى معنى ابتكره، إلا ثلاثة معان، أحدها هذا المعنى، والثاني قوله طويلك
بني مالك قد نبهت خامل الثرى ... قبور لكم مستشرفات المعالم
غوامض قيد الكف من متناول ... وفيا علا، يرتقى بالسلالم
والمعنى الثالث قوله كامل:
تأبى على التصريد إلا نائلاً ... إن لم يكن محضاً قراحاً يمذق
نزراً كما استكرهت عائر نفحة ... من فأرة المسك التي لا تفتق
ولا أعد له من بين هذه المعاني الثلاثة، ولا أعلم أحداً أحسن شعراً في الثالثة الأخيرة منه، ولا أكثر رقة فإنه قال بسيط:
تنيل نزراً قليلاً وهي مشفقة ... كما يخاف مسيس الحبة الفرق
في ثناء ورقة ... كما مس ظهر الحية المتخوف
684 أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني الحرمي ابن أبي العلاء عن السيري عن ابن عائشة قال: لا أعرف في وصف الصديق المكاشر أحسن من قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر رحمهم الله بسيط:
لا خير في الود ممن لا تزال له ... مستشعراً أبداً ن خيفة وجلاً
إذا تغيبت لم تبرح تسيء به ... ظناً وتسأل عما قال أو فعلاً
يورى الصديق بأدغال مكاشرة ... كيما يقول بها يوماً إذا غفلاً
فلا عداوته تبدو فتعرفها ... منه ولا وده يوماً إذا اعتدلا
ويحييني إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمى رتع