كأنما أصطفي شعري وأغرفه ... من لج بحر غزير زاخر طام
منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة زانها وصفي وإحكامي
662 قال أبو علي: ولا أعرف في هذا المعنى أحسن من قول بشر بن حجام العبسي يصف السهولة وينفي الخزونة طويل:
وإني لقوال لكل غريبة ... لذيذ بأفواه الرواة عسيرها
شرود إذا غث النشيد كأنها ... سنا البرق يلوي بالدواة بشيرها
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى ... لها قائلاً مثلي أطب وأشعرا
وأكثر بيتاً سائراً ضربت له ... حزون شعاب الشعر حتى تيسرا
أغر غريباً يعرف الناس وجهه ... كما يعرف الناس الأغر المشهرا
وكنت إذا استبطأت ودك زرته ... بتفويق شعر كالرداء المحبر
عتاب بأطراف القوافي كأنه ... طعان بأطراف القنا المتكسر
فأجلوا به وجه الإخاء وأجتلي ... حياء كصبغ الأرجوان المعصفر
665 أنشدني علي بن هرون قال أنشدني أبي قال: لم يقل في هذا المعنى مثل قول عبد الله بن أبي عيينة طويل:
وجات إلى باب من الدار بيننا ... بحاف، وقد حفت عليه الولائد
لتسمع شعري وهو يقرع قلبها ... بوحي تأدية إليها القصائد
إذا سمعت معنى لطيفاً تنفست ... له نفساً تنقد عنه القلائد
لقد زاحمت مني العراق قصيدة ... رجوم مع الماضي رؤوس المخادم
خفيفة أفواه الرواة ثقيلة ... على قرنها نزالة بالمواسم
أثورة بيض إذا هي صادفت ... ذرى البيض أبدت عن جراح الجماجم
إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفاي لكن لساني صانع الكلم
إني إذا ما امرؤ خفت نعامته ... في الجهل واستحصدت مني قوى الوذم
عقدت في ملتقى أوداج لبتة ... طوق الحمامة لا يبلى على القدم
تزل القوافي عن لساني كأنها ... حماة الأفاعي ريقهن قضاء
وقافية لجلجتها فرددتها ... إلى الصدر لو أرلتها قطرت دما
وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما
سأنظم من حر الكلام قصيدة ... لها حمة فانظر على من أريقها
يجد لسان المرء منطقه بها ... وإن رامها كانت غليظاً طريقها
بديهة لم تدنيها السياط ولم ... تردد عراكاً ولم تعصر على كدر
كمنطوي الحية النضناض مكمنها ... في الصدر ما لم يهيجها على زور
وغائرات من السوائر في الآ ... فاق بين لدواة تخترق
ومن كل محبوكة محبرة ال ... عطرين مثل الشهاب تأتلق
أعيت فما يستطيعها رجل ... سدت عليه من سبلها الطرق
وسيارة في الأرض ليس بنازح ... على وفدها حزن محيق ولا سهب
تذر ذروة الشمس في كل بلدة ... وتمضي جموحاً ما يرد لها غرب
عذارى قواف كنت غير مدافع ... أبا عذرها لا ظلم ذاك ولا غصب
إذا أنشدت في القوم مرت كأنها ... مسرة كبر أو تداخلها عجب
مفضلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشعر إلا أنه لؤلؤ رطب
675 قال أبو هفان في كتاب الأربعة: "أشعر أبيات قيلت في شكر المودة قول النابغة الجعدي متقارب:
ألا يا سمية شبي الوقودا ... لعل الليالي تدني يزيدا
كفاني الذي كنت أسعى له ... فصار أبالي وصرت الوليدا
فنفسي فدى لك من مالك ... إذا ما لبيوت اكتسين الجليدا
ومالي، فداؤك من غائب ... إذ الأوجه البيض أصبحن سوداً