إن يقتلوك فقد هتكت سارتهم ... بعتيبة الجادي عن إيهاب
ولهذا البيت خبر، أنا ذاكره بعد، أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: أخبرني علي بن العباس النوبختي قال: رأيت البحتري يوماً، ومعي دفتر. فقال: "ما هذا؟ " قتل: "شعر اليشكري" قال: "وإلى أين تمضي؟ " قلت: "إلى أبي العباس ثعلب أقرأه عليه". قال: "قد رأيت أبا عباسكم هذا منذ أيام، عند ابن ثاوبه، فما رأيته ناقداً للشعر، ولا مميزاً لألفاظه، ورأيته يستحسن شيئاً وينشده، وما ذلك استجادة لا بأحسن الشعر! ولا بأفضله" قال: فقلت: "أما نقده وتمييزه، فهذه صناعة أخرى، ولكن هو أعرف الناس بإعراب الشعر وغريبه، فما كان ينشد؟ " قال: "قول الحارث بن وعلة كامل:
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
قال: فقلت: "والله ما أنشد إلا أحسن معنى ولفظ" قال: "فأين الشعر الذي في هعروق الذهب؟ " قتل: "مثل ماذا؟ " قال: "مثل قول داود بن ربيعة الأسدي كامل:
إن يقتلوك فقد هتكتت بيوتهم ... بعتبة بن الحارث شهاب
بأحبهم فقداً إلى أعدائهم ... وأشدهم فقداً على الأصحاب"
قال: فإذا هو لا يعجبه من الشعر إلا ما وافق طبعه!
355 قال الصولي: قال لي علي بن العباس بعقب هذا الخبر، "ونقد الشعر، وترتيب الكلام، ووضعه، مواضعه، والاستعارة ونفي المستكره والجاسي، صنعة" بنفسها، هذا شاعر مثل البحتري، مال إلى ما وافق طبعه، وألفه واعتاده".
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... شيئاً يكون كصالح الأعمال
وإذا دعونك عمهن فإنه ... سبب يرزيدك عندهن خبالا
358 وأشرد مثل قيل في اليأس من تلافي ما تفاقم صدعه، قول رجل من أزد عمان مخلع البسيط:
والثوب إن أنهج فيه البلى ... أعمى على ذي الحيلة الراقع
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود
إذا المرء المروءة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديد
يلام رجال قبل تجريب أمرهم ... وكيف يلام المرء حتى يجربا
فالستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع ... بعرض أبيه في المعاشر ينفق
ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزهق
1- فنظر إلى هذا المعنى القطامي نظراً خفياً، فقال بسيط:
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به، فهو قائله
عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
-قوله غيره: يعني نفسه-
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين، أو نفار، أو جلاء
أكلفتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العر يكوب غيره وهو راتع
لعمرك ما شف الفتى مثل همه ... إذا حاجه بين الحيازم حلت
فلو كفى اليمين بغتك خوفاً ... لأفردت اليمين عن الشمال
1- أخذ هذا المعنى من قول عمرو بن قميئة وافر:
فإني لو تطالبني يميني ... خلافك ما وصلت بها شمالا
2- وقد أخذ خذا المثقب العبدي فقال وافر: