حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانَيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الصَّفَّارَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفَيْضَ بْنَ إِسْحَاقَ الرَّقِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: سَأَلْتُ اللهَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَنْ يُرِيَنِي رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لِي: يَا عَبْدَ الْوَاحِدِ رَفِيقُكَ فِي الْجَنَّةِ مَيْمُونَةُ السَّوْدَاءُ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هِيَ؟ فَقَالَ: فِي آلِ بَنِي فُلَانٍ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ هِيَ مَجْنُونَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا تَرْعَى غُنَيْمَاتٍ لَنَا، فَقُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَرَاهَا قَالُوا: اخْرُجْ إِلَى الخانِ فَخَرَجْتُ فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي وَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهَا عُكَّازَةٌ لَهَا فَإِذَا عَلَيْهَا جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُشْتَرَى، وَإِذَا الْغَنَمُ مَعَ الذِّئَابِ لَا الذِّئَابُ تَأْكُلُ الْغَنَمَ وَلَا الْغَنَمُ تَفْزَعُ مِنَ الذِّئَابِ، فَلَمَّا رَأَتْنِي أَوْجَزَتْ فِي صَلَاتِهَا، ثُمَّ قَالَتِ: ارْجِعْ يَا ابْنَ زَيْدٍ لَيْسَ الْمَوْعِدُ هَهُنَا إِنَّمَا الْمَوْعِدُ ثَمَّ، فَقُلْتُ لَهَا: رَحِمَكِ اللهُ وَمَا يُعْلِمُكِ أَنِّي ابْنُ زَيْدٍ، فَقَالَتْ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ؟ فَقُلْتُ لَهَا: عِظِينِي فَقَالَتْ: وَاعَجَبًا لِوَاعِظٍ يُوَعَظُ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا ابْنَ زَيْدٍ إِنَّكَ لَوْ وَضَعْتَ مَعَايِرَ الْقِسْطِ عَلَى جَوَارِحِكَ لَخَبَّرَتْكَ بِمَكْتُومِ مَكْنُونِ مَا فِيهَا، يَا ابْنَ زَيْدٍ إِنَّهُ بَلَغَنِي مَا مِنْ عَبْدٍ أَعْطَى مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا فَابْتَغَى إِلَيْهِ ثَانِيًا إِلَّا سَلَبَهُ اللهُ حُبَّ الْخَلْوَةِ مَعَهُ وَيُبْدِلُهُ بَعْدَ الْقُرْبِ -[159]- الْبُعْدَ وَبَعْدَ الْأُنْسِ الْوَحْشَةَ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر المديد]

يَا وَاعِظًا قَامَ لِاحْتِسَابٍ ... يَزْجُرُ قَوْمًا عَنِ الذُّنُوبِ

تَنْهَى وَأَنْتَ السَّقِيمُ حَقًّا ... هَذَا مِنَ الْمُنْكَرِ الْعَجِيبِ

لَوْ كُنْتَ أَصْلَحْتَ قَبْلَ هَذَا ... غَيَّكَ أَوْ تُبْتَ مِنْ قَرِيبِ

كَانَ لِمَا قُلْتَ يَا حَبِيبِي ... مَوْقِعَ صِدْقٍ مِنَ الْقُلُوبِ

تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ وَالتَّمَادِي ... وَأَنْتَ فِي النَّهْيِ كَالْمُرِيبِ

فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي أَرَى هَذِهِ الذِّئَابَ مَعَ الْغَنَمِ لَا الْغَنَمُ تَفْزَعُ مِنَ الذِّئَابِ وَلَا الذِّئَابُ تَأْكُلُ الْغَنَمَ، فَإِيشْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنِّي أَصْلَحْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِي فَأَصَلَحَ بَيْنَ الذِّئَابِ وَالْغَنَمِ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015