حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ذِي النُّونِ فِي تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا بِشَخْصٍ قَدْ أَقْبَلَ فَقُلْتُ: أُسْتَاذٌ شَخَصَ، فَقَالَ لِي: انْظُرْ فَإِنَّهُ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ إِلَّا صِدِّيقٌ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ، فَقُلْتُ إِنَّهَا امْرَأَةٌ فَقَالَ: صِدِّيقَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَابْتَدَرَ إِلَيْهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَرَدَّتِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِلرَّجُلِ وَمُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ لَهَا: إِنِّي أَخُوكِ ذُو النُّونِ وَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ فَقَالَتْ: مَرْحَبًا حَيَّاكَ اللَّهُ بِالسَّلَامِ فَقَالَ لَهَا: مَا حَمَلَكِ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ؟ فَقَالَتْ: آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] فَكُلَّمَا دَخَلْتُ إِلَى مَوْضِعٍ يُعْصَى فِيهِ لَمْ يَهْنِنِي الْقَرَارُ فِيهِ بِقَلْبٍ قَدْ أَبْهَلَتْهُ شِدَّةُ مَحَبَّتِهِ، وَهَامَ بِالشَّوْقِ إِلَى رُؤْيَتِهِ فَقَالَ لَهَا: صِفِي لِي، فَقَالَتْ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنْتَ عَارِفٌ تَكَلَّمَ بِلِسَانِ الْمَعْرِفَةِ تَسْأَلُنِي؟ فَقَالَ: يَحِقُّ لِلسَّائِلِ الْجَوَابُ فَقَالَتْ: نَعَمْ، الْمَحَبَّةُ عِنْدِي لَهَا أَوَّلُ وَآخِرُ، فَأَوَّلُهَا لَهْجُ الْقَلْبِ بِذِكْرِ الْمَحْبُوبِ، وَالْحُزْنُ الدَّائِمُ، وَالتَّشَوُّقُ اللَّازِمُ، فَإِذَا صَارُوا إِلَى أَعْلَاهَا شَغَلَهُمْ وُجْدَانُ الْخَلَوَاتِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، ثُمَّ أَخَذَتْ فِي الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

[البحر المتقارب]

أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ حُبَّ الْهَوَى ... وَحُبًّا لِأَنَّكَ أَهْلٌ لِذَاكَا

فَأَمَّا الَّذِي هُوَ حُبُّ الْهَوَى ... فَذِكْرٌ شُغِلْتُ بِهِ عَنْ سِوَاكَا

وَأَمَّا الَّذِي أَنْتَ أَهْلٌ لَهُ ... فَكَشْفُكَ لِلْحُجْبِ حَتَّى أَرَاكَا

فَمَا الْحَمْدُ فِي ذَا وَلَا ذَاكَ لِي ... وَلَكِنْ لَكَ الْحَمْدُ فِي ذَا وَذَاكَا

ثُمَّ شَهِقَتْ شَهْقَةً فَإِذَا هِيَ قَدْ فَارَقَتِ الدُّنْيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015