الحمد لله مؤيد شريعة نبيه سيد الأنام، رافع أعلام كلمة التوحيد بالحق المتين إلى يوم الحشر والقيام، ناصر لواء من اختاره إما للعباد من الدولة العادلة العثمانية، المستمرة إن شاء الله على توالي الليالي والأيام، المرتبطة أحكامها بالشريعة المطهرة، المحافظة على ما فيه رضاء الملك العلام، القامعة لظلم وكفر من بغى وطغى في سالف العصور والأعوام، وإنها هي الدولة الباقية الوارثة كما استنبط من له قوة في العلم والإفهام، من قوله سبحانه وتعالى في كتابه المكنون (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ، ألا وهم آل عثمان، ذوو الشوكة والرحمة والإيمان، أيد الله خلافتهم إلى انقضاء الدوران، وأيدهم بنصره ورفعته على ممر الأوقات والأزمان، لا سيما سلطاننا الآن من هو صفوة الدولة العثمانية، مالك سرير الخلافة الخاقانية، ملك ملوك الممالك الإسلامية، خادم الحرمين الشريفين، سلطان البرين والبحرين، سيف الله المسلول على أعداء الدين، المتوشح بنور الإيمان والعلم واليقين، ملك ملوك العالمين، السلطان بن السلطان بن السلطان الملك المؤيد الغازي مصطفى خان، دام محروساً مؤيداً أبد الآباد، بعزٍّ مديد ماله من نفاد، وسيف قهر سلطنته محكماً في رقاب الطغاة البغاة اللئام، آمين.
أحمده سبحانه على نعم لا تحصى، من الإكرام، وأشكره على أن منحنا يقيناً وتثبيتاً على الحق والشهادة من فيض فضله الكريم الإنعام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تدفع عنا الأهوال، وتكون ذخيرة لنا يوم الزحام.
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، المؤيد بالمعجزات العظام، الذي جاهد في الله حقَّ جهاده، حتى نصر كلمة التوحيد، ومحا قتام الجور والظلام وعلى آله وأصحابه الكرام، الذين أسهروا في نصرته أعين رضاء للملك السلام، وطلباً لثوابه العميم بدار المقام، وسلم تسليماً ما فرجت شدة من لطف ذي الجلال والإكرام.
وبعد، فيقول العبد المفتقر إلى مولاه، الراجي من ربه سبحانه حسن الختام في دنياه، المحترق بسعير هذه النار الموقدة من الفتن العظيمة، والداهية التي لم تصب بمثلها دمشق الشام، من سالف الدهور القديمة، من حين فتح السادة الصحابة، وتمهيد البلاد على أحسن إصابة، ولكن قدر ذلك الحكم العدل، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، إنا لله وإنا إليه راجعون. وأنا الفقير سليمان بن أحمد المحاسيني التميمي، المدرس والخطيب بجامع بني أمية، لطف الله به وبالمسلمين أجمعين، وسميتها "حلول التعب والآلام بوصول أبي الذهب إلى دمشق الشام" صانها الله عن الكفرة الطغاة، على أبد الأيام آمين.
فأقول كما وقع على التحقيق وبالله سبحانه التوفيق إلى أقوم طريق: إن أعظم ما توالت به المحن والآلام، ورمت به الحوادث الليالي والأيام، ما قدر ربه الباري وأراد، ليظهر حقيقة المتمسك بدينه وسلطانه على اليقين، ولا يبالي بضرب السيوف الحتوف ولا يموت على الحق ولو رغمت منهم الأنوف، ممن يظهر الخديعة والنفاق، ويبطن الكفر ويجنح إلى الشقاق، المتوطنون بدمشق الشام، الداخلون في صدقات وخيرات ملك ملوك الإسلام.
أنه توالى المحن، وخُيِّلَ للباغي الفعل السيئ أنه حسن، وتوجهت عساكر مصر بمن معها من البغاة أعداء الدين، أولاد ظاهر العمر اللعين، واجتمعوا في عدة أشهر تقدمت، وغير خافي ذلك عن مسامع الدولة العلية والحضرة السلطانية. وكان عثمان باشا سبباً لما أرادوا أن يتوصلوا إليه من البلية، وضبط البلاد بالكلية، وفعلوا العام الماضي ببيت الله الحرام، ما فعلوه من الكفر والإهانة والقتام، واستباحوا حرم مكة ولم يبح لأحد في الإسلام وجاؤوا مجتمعين إلى ان وصلوا إلى فناء دمشق الشام، وصربوا سرادقاتهم خارجها على رؤوس الأشهاد والأعلام، واستباحوا دماء المسلمين وأموالهم وبلاد الإسلام، المقدسة المطهرة معدن الأنبياء والولياء العظام، وذلك يوم الإثنين تسعة عشر صفر سنة 1185، وكان قائد عسكرهم محمد بيك المكنى بأبي الذهب، ذي المكايد والتعب، ومعه تسعة سناجق وخمسة من اولاد ظاهر العمر، الشقي الخبيث محرك الفساد، ومتعب البلاد والعباد، ومشايخ المتاولة والصفدية أهل البدع والرفض والكفر والفساد ومعه نحو ثمانون مدفعاً ونحو أربعين ألف مقاتل.