وكمْ كانَ في الدِّين الحنيفِ مُجاهدًا ... بماضي سِنان دَامغِ للأَباطِل
وكمْ ذبَّ عن سامِي حِماه وذَاد مِن ... مُضلٍّ وبدْعيٍّ ومُغوٍ وَنائِل
فِفيم اسْتباحَ أهلُ الضَّلال لعِرْضه ... وما نُكِّست أعْلامهُ بالأراذِل
وليسَ لهُ شيء عَنِ الله شاغِل ... ولا عَنْ وِصالِ الاعْتِبار بفَاصِل
فَلولاهُ لم تُحْرز رَحى الدِّين مَرْكزاً ... ولا اشْتدَّ للإسْلام رُكم المعاقِل
ولا كانَ للتَّوحيد واضِح لا حِب ... يُقيمُ اعْوجَاج السَّيْر مِنْ كلّ عادِل
فَما هُو إلاَّ قائم في زَمَانه ... مَقام نَبي في إماتَةِ باطِل
سَتبْكيه أجْفاني حَياتِي وإن أمتْ ... سَيبْكيه عنِّي جِفْن طَل ووَابِل
وتبْكِيه أقْلامِي أسىً ومحَابري ... ويبْكِيه طُرْسي دائماً وأنامِلي
عجبْتُ لقَبْر ضَمَّه كَيْف لَمْ يَكُن ... يميدُ ببَحْر فائِض العِلْم سائِل
ولله نعش كانَ حامِلَ جِسْمه ... هَنِيئًا لهُ كانَ أشْرَف حامِل
ولا غَرْو أنْ يَبْكي الزَّمان لفَقْده ... فقد كانَ غَيْث الجُود كَهْف الأرمل
فآهاً على ذاَك المحيَّا وحُسْنه ... وآهاً علَى تِلك العُلُوم الجلائِل
وآهاً علَى تَحقيقه ودُروسِه ... وتَوْضِيحه للمُعْضلات المشَاكِل
فمنْ للبُخاري بَعْده ولمسْلمٍ ... يُبيِّن المخبا مِنْهُما للمُجادِل؟
ومنْ ذَا لتفْسيرِ الكِتابِ ومَنْ تَرَى ... لأحكام فقهِ الدِّين، منْ للمسَائِل؟
ومَنْ لمسَانِيد سَمَت ومَعاجمِ ... وكَشْف لِثام الحُكْم عنْد النَّوازِل؟
ألَم تَرَ أنَّ الدَّهْر نِصْف كآبةِ ... عليهِ وذُو جِسْم مِنَ الحزْنِ ناحِل؟
ومَنْ للمعانِي والبَيان ومَنْطِق ... ورَدْع أخي الجهْل الغويّ المجامِل؟
ومَن لك بالأصْلين واللّغة التِي ... بها أنزلَ القُرآن أشْرف نازل؟
ومَنْ بَعدَه للصَّدع بالحقِّ قائم ... بجدّ ولا يخْشَى مَلامَة عاذِل
أفِقْ يا مُعيبَ الشَّيْخ ماذَا تَعيبُه ... لَقَد عِبْت حقًا وارْتحلْت بِباطل
نَعَم ذنْبهُ التَّقليدُ قَدْ جدَّ حَبْلَه ... وفَلَّ التَّعصُّب بالسُّيوف الصَّياقل
ولمَّا دَعا للهِ في الخَلق صارِخاً ... صرَخْتم لهُ بالقَذْف مِثْل الزوَاجِل