ولم تكن هذه النفس الطلعة لتقنع بما يحسب الناس أن فيه كفاية وغناء، بل لابد لها أن تنشد الكمال، وتسعى إليه، وتستعذب الصعاب، وتركب الأهوال، وتعتصم بالصبر، وتطلب الحقيقة في مظانها لعلها تظفر بشيء منها، وهكذا كان شأن الشيخ، فلم يجد بدا من الرحلة إلى بعض العواصم الإسلامية التي اشتهرت بكثرة العلماء فيها، وتوارثت البحث في مسائل الدين وعقائده، فرحل إلى العراق، ونزل بلدة الزبير من أعمال البصرة، وأخذ عن أحد فقهائها الشيخ محمد المجموعي ولكن الإمام لم يقنع بالسماع والحفظ، بل برح يناقش ويحاول ويمحص ويوازن بين ما يلقي إليه، وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فيجد فيما يقوله العلماء ميلاً وانحرافاً وخروجاً عن نصوص الدين وتعاليمه، وساءه ما عليه الناس من خرافات وأباطيل، فجاهر بآرائه هذه فأنكر ونقد كثيراً من بدع الناس وضلالاتهم وفساد عقائدهم، فثار به فريق من جهال البصرة وآذوه، وخرج منها في وقت الهجير خائفاً يترقب بلا زاد ولا