إن من رحمة الله بالناس وحبه لهم أن خلقهم ضعفاء وابتلاهم بالأمراض ليسهل عليهم القيام بالمهمة التي خُلقوا من أجلها، ومما يؤكد هذا المعنى ما حدث مع قوم عاد الذين ابتلاهم الله عز وجل بأن حباهم مزيداً من القوة فأساءوا استخدامها، بل كانت وبالاً عليهم وجعلتهم ينسون حقيقتهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15].
ومع الضعف الشديد للإنسان، واحتياجه الدائم لقوة تحميه فإنه كذلك عاجز، لا يستطيع إنفاذ إرادته .. يريد أن ينام سريعا فلا يستطيع .. يريد أن يسهر فيغلبه النعاس .. يريد تذكر شيء ما فلا يتذكره .. يتمنى أن تلد زوجته ذكراً فتلد أنثى ..
كل هذا ليستشعر مدى عجزه واحتياجه لمن بيده القدرة على فعل كل شيء، ومن يفعل ما يريد وقتما يريد فيستسلم له ويذعن بين يديه.
ومن سمات الإنسان كذلك أنه جاهل بعواقب الأمور، وعدم علمه الغيب، ولا حتى ما سيحدث بعد جزء من الثانية .. فهو لا يدري حين ينام هل سيستيقظ أم لا، وإذا ما استيقظ هل يكون معافى أم مريضاً.
هل العملية الجراحية التي ستُجرى له ستنجح أم لا؟!
هل هذا الطعام الذي يأكله سيسبب له مرضا أم لا؟!
هل .. هل؟! {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34].
ومع عجزه وضعفه وجهله الملازم له، فهو كذلك لا يستطيع أن يتولى إدارة شئون جسمه وتدبير أموره ولو للحظة واحده.
فالقلب يحتاج إلى تعهد دائم ومطلق ليستمر في الخفقان وضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم، والدم يحتاج لأن يظل في درجة ما من السيولة لو انخفضت لحدثت جلطات وانسدت الشرايين، ولو زادت لحدث نزيف.
العضلات تحتاج دوماً إلى من يتعاهد انقباضها وانبساطها، ولو لم يحدث ذلك لشُل الجسم.
الرئتان .. الكليتان .. المخ .. جهاز الهضم والامتصاص .. جهاز الإخراج .. جهاز المناعة .. الغدد، بل كل خلية من خلايا الجسم البالغ عددها عدة تريليونات تحتاج إلى إمداد مستمر، وإلا توقفت عن العمل .. كل ذلك ينبغي أن يتم بصورة دائمة، فلو توقف إمداد المخ بالدم عدة دقائق لتوقفت الحياة، ولو تخلت الكليتان عن عملهما لتسمم الدم، ولو، ولو، ولو ... إلخ.
معنى ذلك أن الجسم يحتاج إلى من يقوم عليه ويمده بما يحفظه ويكفل له الاستمرار في وظائفه، ويدير عملياته الحيوية لينتج عن ذلك: نطق باللسان، ورؤية بالعين، وحركة بالأطراف، وهضم للطعام، وإخراج للفضلات، وشهيق وزفير، و ...
ومن منا يقدر أن يقوم بذلك ولو للحظة واحدة، فنحن نضع اللقمة في الفم ولا ندري ماذا يجري لها داخل الجسم، ولو تُرك لنا هضمها وتوزيع خلاصتها وإخراج فضلاتها لما استطعنا أبداً.
إننا بحاجة إلى من يقوم بإدارة شئون أجسادنا وإمدادها بما يصلحها، ويحافظ عليها، وذلك دونما توقف ليلاً أو نهاراً بل ولا لحظة واحدة، ويستوي في ذلك جميع البشر، القوي منهم والضعيف .. الغني والفقير .. الصغير والكبير.
وبالإضافة إلى هذا كله، فلقد خلق الله عز وجل الإنسان ولم يعطه أي ملك ذاتي ولو مثقال ذرة، فنحن جميعاً ملك لله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، وما عندنا من أموال وأولاد وأثاث و ... فهي ملك له سبحانه، وهبها لنا في حياتنا الدنيا ثم يؤول كل شيء إليه بعد ذلك {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم:40].
فكل ما تراه عيناك ليس له إلا مالك واحد هو الله سبحانه وتعالى {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91].