فالحكمة مطلب في الأسلوب مع عامة الناس، ولكنه مع الجاهلين أكثر طلبا، لأن الجاهل من الناس كالأعمى، لا بد أن ترفق به حينما تدله على الطريق، فلا تتعامل معه بفظاظة، فلا يقبل منك توجيها، ولو سلك طريقا فيه هلاكه، وهكذا كانت معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كفار قريش، كان حليما حكيما صابرا محتسبا، قالوا: {هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (?)، فصبر، وقالوا: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (?) ورغم خسة هذا القول لم يؤثر في حكمته وصبره - صلى الله عليه وسلم -، وتجاوز أذاهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - السب والشتم إلى العمل، فكان من أشدهم أذى له عمه عبد العزّى بن عبد المطلب الملقب في الإسلام أبا لهب، وزوجه أم جميل، فصبر عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتصر الله لنبيه بذكر مآل أبي لهب وزوجه في سورة قرآنية تتلى إلى يوم القيامة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وكانت زوج أبي لهب تحمل الشوك وتطرحه في طريق رسول الله أذى منها له - صلى الله عليه وسلم -، فجعل لله لها حبلا تجرّ فيه في النار، وهو المسد الذي سميت به السورة، وكذلك الحكم بن هشام الملقب في الإسلام أبا جهل كان من أشد قريش أذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال ذات يوم: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ ، فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد، ما يرفع