لأنهم بشر، وقد عملوا لارتباط الناس بالرسالة وتقديسها، وهم لا يتكلمون عن ذواتهم من خلال الرسالة، ولم يوجهوا الأتباع إلى شيء من تقديس الذات، وهم يتلطفون بأتباعهم ويشفقون عليهم، فهذا نوح عليه - عليه السلام - أول الأنبياء، يقول لقومه: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (?) وهذا التلطف والخوف من نوح - عليه السلام - ورد في أكثر من آية في كتاب الله - عز وجل -، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة بتقديس الرسالة، ولم يدع إلى تقديس نفسه ولا مرة واحدة، والرسل كافة على نفس المنهج، وآخرهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه قريش الجاه والمال والملك فلم يقبل - صلى الله عليه وسلم -، وقال:
10 - (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) (?) لماذا هذا الموقف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لأن الأمر لا يتعلق بالأشخاص وإنما هو متعلق بالمرسل - جل جلاله - وبالرسالة، فليس المراد تقديس الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما المراد الاستجابة له والإيمان برسالته، والتطبيق الفعلي لما جاء به، ولذلك لم يقل - صلى الله عليه وسلم -: تركت فيكم فلان وفلان من عظماء الصحابة ومنهم ابن عمه وزوج ابنته علي - رضي الله عنه -، وإنما قال:
11 - (تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ ، قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء