ومن سمات هذا الداء أن لديه القدرة على التسلل بخبث إلى النفوس: نفوس العلماء، والعباد، والدعاة، والخطباء، والكتاب، وأصحاب المواهب والنجاحات، فهو يعرف طريقه جيدًا إلى كل نفس، ولا يكاد يتركها إلا بعد أن يضخها، ويعظم قدرها في عين صاحبها.
إنه أمر خطير ينبغي الانتباه إليه، وعدم الاستهانة به، أو إنكار وجوده داخلنا فنحن لا نريد أن نفاجأ يوم القيامة بأعمال صالحة تعبنا وسهرنا وبذلنا الكثير من أجل القيام بها، ثم نجدها وقد أحبطت بسبب هذا الداء.
ألا يكفينا الترهيب النبوي " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "؟! (?)
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لايزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه
ما أصابهم ". (?)
فإن كنت في شك من أهمية هذا الأمر، وضرورة التشمير من أجل التخلص منه فتأمل سيرة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وكيف كانوا شديدي الحرص نحو أي أثر من آثار هذا الداء، وإغلاق الأبواب أمامه، مع استصغارهم الدائم لأنفسهم، وتواضعهم لربهم.
أخرج ابن المبارك في الزهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُتي له بطعام فقالت له عائشة: لو أكلت يا نبي الله وأنت متكئ كان أهون عليك. فأصغى بجبهته حتى كاد يمس الأرض بها. قال: " بل آكل كما يأكل العبد، وأنا جالس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد " (?).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح وقد أم قومًا يومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بي آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أؤم أبدًا (?).