يتذاكرون في مسائل العلم: أترى يا ابا عبد الرحمن أن في أعمال البر ما هو أرضى لله تعالى مما نحن فيه؟ قال: نعم .. رجل يسعى على عياله، قام من جوف الليل، يتفقد حال صبيته، ويطمئن إلى راحتهم وأغطيتهم.
يقول البوطي تعليقًا على الخبر: ولا يخامرني شك في أن ابن المبارك إنما قال هذا كي لا تزهو بالسائل نفسه بما هو فيه من الرباط على الثغر مع العكوف على العلم، فيرى أنه قد أتى بذلك ما لم يعطه أحد غيره (?).
فلابد إذن لمن ينشد الصلاح لنفسه أن يحيطها بجو تربوي من خلال صحبة صالحة من النصحاء الذين يوجهونه وينصحونه ويتعاهدونه.
مما سبق يتبين لنا أهمية الجو والمحضن التربوي للفرد ليتم فيه تربيته وتكوينه تكوينًا متكاملًا.
فيتربى من خلالها على التواضع، واستصغار النفس، واستقلال ما يقدمه من أعمال.
وفيها يتعلم كيف يغلق الأبواب أمام إلحاح نفسه عليه كي يحمدها أو يستعظمها.
ومن خلالها يتعلم كيفية الانتفاع بالقرآن، واستخدامه كعلاج لتضخم الذات.
وفى فترة التكوين يكون الاهتمام الشديد بالتربية الإيمانية مع التزكية جنبًا إلى جنب، وهذا يستلزم الهدوء وإعطاء هذه الفترة الفرصة الكافية ليكون النتاج صالحًا {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29].
فلا تصدر أو تقدم للأمام قبل الأوان، كما قال الشافعى: إذا تصدر الفتى فاته علم كثير.