لتعظيم هذا النبي المبشر به فلا بد أن يمتاز ذلك المبشر به بهذا الأمر عن غيره من الأنبياء، فلا يجوز أن يراد بالانتقام من المُنكِر العذاب الأخروي الكائن في جهنم، أو المحن والعقوبات الدنيوية التي تلحق المنكرين من الغيب، لأن هذا إنكار لا يختص بإنكار نبي دون نبي، بل يَعُم الجميع، فحينئذ يراد بالانتقام الانتقام التشريعي، فظهر منه أن هذا النبي يكون مأمورًا من جانب الله بالانتقام من منكره. فلا يصدق على عيسى - عليه السلام - لأن شريعته خالية عن أحكام الحدود والقصاص والتعزير والجهاد» اهـ.
وفي النهاية تختم البشارة بقوله: «وأي نبي تكلم باسمي كلامًا زائدًا لم آمره به، أو تكلم باسم آلهة أخرى، فجزاؤه القتل»، يقول رحمة الله الهندي (?): «صرح في هذه البشارة بأن النبي الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره يقتل، فلو لم يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا حقًا لكان يُقتَل، وما قُتِل بل قال الله في حقه: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (?)، ولم يقدر على قتله أحد حتى لقي الرفيق الأعلى، وعيسى - عليه السلام - قُتِل وصُلِب على زعم أهل الكتاب. فلو كانت البشارة في حقه لزم أن يكون نبيًا كاذبًا كما يزعمه اليهود والعياذ بالله» اهـ.
كذلك فإن من تلك البشريات النبوية في العهد القديم، ما جاء بسفر التثنية أيضًا من قول: «وهذه هي البَرَكة التي بارك بها موسى رجُل الله بني إسرائيل قبل موته. فقال: أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من جبل سعير وتجلَّى من جبل فاران، وأتى من رُبى القدس وعن يمينه نار شريعة لهم» (?)، وفي بعض النسخ: «وعن يمينه نار مشتعلة».
ومعلوم أن جبل الطور بسيناء هو المكان الذى كلَّم الله تعالى فيه موسى - عليه السلام - (?)، وآتاه الألواح، {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (?). أما سعير فهي قرية بفلسطين، تقع في جنوب الضفة الغربية إلى الشمال الشرقي من مدينة الخليل، وهي مكان ولادة عيسى - عليه السلام -. وأما فاران فهي سلسلة الجبال الواقعة بمكة المكرمة، وورد بسفر التكوين أن فاران هو المكان الذي ترك فيه إبراهيم - عليه السلام - زوجته هاجر وولده