ويعدونهم بأنه سيخرج نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله - عز وجل - نبيه سبقهم إليه من كانوا يحاربونهم من العرب، فحملهم الحسد والبغي على الكفر به وتكذيبه ...». قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} (?).
ولقد تلخص موقف اليهود تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوته فيما ترويه لنا أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، حيث تقول: «كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ونزل قُباء غدا عليه أبي وعمي مُغَلِّسَيْنِ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّيْن ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك؟ أجاب: عداوته والله مابقيت» (?).
فهذا بيت القصيد: «عداوته والله مابقيت»!
ولقد تنوعت مظاهر هذا العداء وتعددت، وكان منها الظاهري والباطني، وأظهرها كان إنكار دلائل نبوة هذا الرسول النبي الأمي، {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (?)، فقد قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (?)، ولو أنهم أعملوا عقولهم لقالوا كيف يمكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن أن التبشير به قد تم في كتبهم لولا أن ذلك حق؟! فما كان يتجرأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الإعلان الذي يمكن أن يُكَذَّب فيه بسهولة من قِبَل كل من اليهود والنصارى لولا أنه من عند الله الذي يعلم أنه الحق، ولكنهم كما قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (?).
وقد يحيد بنا الطريق قليلًا عن مسار البحث، وذلك لحاجتنا لاستعراض بعض هذه