فإن الله تعالى قال: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (?) ، فما ظنك بشيء دمره الله هذه بقيته! فقال ما قصرت يا سعيد. قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من مصر، وجميع الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير؛ حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متى شاءوا، ويرسلونه متى شاءوا، وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع؛ ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط فيه من الشجر، وكان أهل مصر ما بين قبطي ويوناني وعمليقي؛ إلا أن جمهورهم قبط، وأكثر ما يملكها الغرباء. وكانت خمسًا وثمانين كورة، منها أسفل الأرض خمس وأربعون كورة، ومنها بالصعيد أربعون كورة؛ وكان في كل كورة رئيس من الكهنة -وهم السحرة- وكانت مصر القديمة اسمها أقسوس، وكانت منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خربها بخت نصر؛ وكان لها سبعون بابًا، وحيطانها مبنية بالحديد والصفر، وكان يجري تحت سرير الملك أربعة أنهار، وكان طولها اثني عشر ميلًا. وكان جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني، وهو ثلاثة مثاقيل.
وقال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر (?) : حد مصر طولًا من ثغر أسوان، وهو تجاه النوبة إلى العريش، وهو مدينة على البحر الرومي، ومسافة ذلك ثلاثون مرحلة، وحده عرضًا من مدينة برقة التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على