تفيض بالأخوة الإسلامية الرحيمة والتعاون على البر والتقوى والسعي الحثيث لخير الأمة والجماعة والأفراد في آن واحد وكانت مبادئ الإسلام تمارس في محيط الأسرة وفي العلاقات الزوجية في مختلف أوجه التعامل وفي تبادل المنافع على كل الأصعدة وكان الولاء فيها والنصح لله ولرسوله لأئمة السلمين وعامتهم والنصيحة قائمة بين المسلمين والتعاون شعار الجميع والروابط في كل المجالات تمثل التلاحم الشديد والتماسك القوى وفق ما أراده الله من عباده وما شرعه لخلقه.

ثم لما ضعف الوازع الديني وتقلص النفوذ السياسي وانحسر المد الثقافي عن هذا الإقليم من أقاليم العالم الإسلامي أصاب الحياة الاجتماعية من الضعف والفتور بقد ما فقدت من سلطان الدين على النفوس وأثر السلطة السياسية على الأفراد، وحظها من الثقافة الواعية والعلم النافع وحلت محلها أوضاع مغايرة تختلف قربا وبعدا عن الدين، فضلت الأسرة على ترابطها والقبيلة على تماسكها وتراحمها وقامت مفاهيم جديدة ومواضعات محدثة خرجت فيها الأمة عن مسارها القديم وأصالتها الإسلامية الخالصة.

فظهر في الناس التعصب للبلد والقبيلة وحلت الفردية محل الجماعية والفرقة بدلا من الاتحاد وظهر الجهل وعم سلطانه وقل العلم ورواده ووهنت عرى الدين في النفوس وعظمت المادة في أنظارهم وجعلوها مصدر التفاضل وحلت العداوة والبغضاء محل التعاون والإخاء وفقدت الغاية الواحدة والهدف المشترك.

وبذلك كثرت الفتن وتأججت نار الحمية للبلد والعشيرة وانتشرت المنكرات وقل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقدت حراسة الدين وضعفت الأمة وقطعت أواصر المودة والتراحم وانتشر الضلال والباطل وأعجب كل فرد برأيه وقومه فصارت الحياة الاجتماعية في قلب جزيرة العرب جحيما لا يطاق قلت فيها موارد الرزق وفقد في ظلها الأمن وجفت فيها منابع البر والإحسان والتراحم أو كادت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015