وكان من نتيجة ذلك كله القضاء على منازعات وتخفيف العصبيات الجاهلية ومعرفة الحقوق والواجبات والحلال والحرام ذلك بنشر العلم الشرعي وإقامة سلطة سياسية تقوم على حراسة الدين وإلزام العامة بالحق وإقامة الحدود وفك الحقوق بالطرق الشرعية العادلة والأخذ على يد كل من تسول له نفسه الخروج على ذلك في إطار مقتضى الدين. وبذلك خفت المنازعات وأخذ فك الحقوق طريقا إسلاميا عادلا بدلا من الأخذ بالقوة والعصبيات الجاهلية. وبذلك استقرت النفوس وارتاحت لعدل الإسلام وانقادت لسلطان الدين في داخل النفس وخارجها بما تكون من مجتمع متكافل في النواحي المادية والأدبية آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وبالسلطة السياسية التي من مهامها فك الحقوق وإقامة الحدود ودرء المظالم.
وقد أثمرت هذه الجهود المتبادلة القضاء على المنازعات والخلافات والأخذ بالثارات. وعاش الناس في هذه المنطقة أمنا ورخاء وراحة قل أن يوجد لها مثيل إلا في عصور الإسلام الزاهرة وصدره الأول وقد وصف ابن بشر حال الناس في ظل هذه الدعوة المباركة وما تحقق فيها من عدل وأمان فقال: "فسموها – الفترة – الأعراب بسنين الكمام لأنهم كم عليهم من جميع المظالم الصغار والجسام: فلا يلقى بعضهم بعضا في المفازات المخوفات إلا بالسلام عليكم وعليكم السلام والرجل يأكل ويجلس مع قاتل أبيه وأخيه كالإخوان وزالت سنن الجاهلية وزال البغي والعدوان وسيبت الإبل والخيل الجياد والبقر وجميع المواشي في الفلوات فكانت تلقح وتلد وهي في مواضعها آمنات مطمئنات وليس عندها من يرعاها ويحميها"1
فهذا النص التاريخي وأمثاله كثير في تاريخ هذه الدعوة وما وصلت إليه من تحقيق انقلاب في حياة الفرد والجماعة في هذه المنطقة بفضل الله ثم بفضل هذه الدعوة التي جاءت لرد الناس إلى الله وإعادتهم إليهم في مختلف شئون الحياة وإقامة الروابط الاجتماعية والعلاقات الإنسانية الرحيمة وحراسة الدين وإقامة الحدود وتحقيق العدل بواسطة ما أقامته من سلطة سياسية قادرة على القيام بهذا الواجب بقوتها المادية