والثالث: أنه قالها القائل (وهم على الراجح: بعض من قرب دخوله في الاسلام) دهشة وحيرة للمصاب الجلل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد حسّن الأخير الحافظُ ابن حجر وقال:" ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك ولهذا وقع في الرواية الثانية فقال بعضهم إنه قد غلبه الوجع ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن سفيان في هذا الحديث، فقالوا: ما شأنه يهجر؟ استفهموه.
وعن ابن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليهجر، ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك: استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى أولا وفي قوله في الرواية الثانية فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم ما يشعر بأن بعضهم كان مصمما على الامتثال والرد على من امتنع منهم ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر وقد مضى في الصيام أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبرهم بليلة القدر فرأى رجلين يختصمان فرفعت" (?).
قلت: وهذان التوجيهان جيدان، وهما في الجملة يدلان على توقير الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -،وحتى من قالها من عامة الصحابة ممن تأخر إسلامه: أهجر؟ فإنه معذور بالذهل، فالرجل يعذر بالإغلاق إما لشدة فرح أو حزن، كما في قصة الرجل الذي فقد دابته ثم وجدها بعد يأس فقال: " اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (?).
ثالثاً: إنّ هذه اللفظة صدرت بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار أصحابه،-وفيهم علي - رضي الله عنه - فلم ينكروا على قائلها، ولم يؤثموه، فدل على أنه معذور على كل حال، ولا ينكر عليه بعد ذلك إلا مفتون في الدين، زائغ عن الحق والهدى، والعياذ بالله.
والذي يظهر –كما سبق- أنّ بعض الصحابة لم يفهم من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أمر به - صلى الله عليه وسلم - لبحة صوته، فراحوا يلحون عليه ويكررون السؤال، ماذا تقصد؟ وكما جاء في لفظ النسائي:"استفهموه فذهبوا يفدون عليه" (?).فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة المرض كما جاء في كل الروايات عند الجميع قال ابن عباس:"لما اشتد به الوجع .... ".والناس يفدون عليه جماعات يسألونه ماذا تقول؟ استفهموه؟ فاختلفوا فقائل يقول: اختبروه