يكتب لكم رسول الله، وكان الحاضرون من حزب عمر يشكلون الأكثرية، لأنهم أعدوا للأمر عدته فصاح عمر وأعوانه: "حسبنا كتاب الله إن الرسول يهجر" واختلف الفريقان وتنازعوا، وصدم عمر وحزبه خاطر النبي، فقال النبي للجميع: "قوموا عنى، ولا ينبغي عندي التنازع، وما أنا فيه خير مما تدعوني إليه" ولقد أصاب ابن عباس عندما سمى ذلك اليوم بيوم الرزية) (?).
ويقول العاملي البياضي في مطاعن عمر:"وثالثها أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم قربوا إليه كتاباً وقول عمر ومن معه لا ندعه يكتب وإنه قد هجر ... وهذا آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وقد قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) الأحزاب/ 57 (?).
وقال نور الدين التستري:"وذلك لأن أول من سبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه هو عمر بن الخطاب ... حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال عمر إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله" (?).اهـ
ثم يأتي شخص أو مؤسسة إعلامية يفترض بها الأمانة والموضوعية لتدلس على السائل أنّ لفظة (هجر) قالها عمر - رضي الله عنه - وتأمل فيما جاء في موقع: مركز الأبحاث العقائدية الألكتروني16/ 12/2004،جاء فيه جواب على هذا السؤال:
بعد السلام والتحية لكم كنت ابحث عن مصدر قول عمر: إنّ الرجل ليهجر. وجزاكم الله خيرا.
الأخ السيد حيدر الموسوي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
منع عمر من أن يكتب النبي (صلى الله عليه وآله) عند مماته كتاباً وقال: (إن الرجل ليهجر) أو: (إن النبي غلبه الوجع) , تجده بألفاظ مختلفة في: صحيح البخاري 1/ 32 كتاب العلم / باب كتابة العلم و 4/ 7 كتاب المرضى / باب قول المريض قوموا عني و 4/ 271 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب كراهية الخلاف و 2/ 178 كتاب الجهاد والسير / باب هل يستشفع إلى أهل الذمة و 4/ 62 باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب , صحيح مسلم 3/ 1259 كتاب الوصية / باب ترك الوصية و 3/ 1257 كتاب الوصية / باب ترك الوصية , مسند أحمد 1/ 24 و 222 و 3/ 346 , ودمتم سالمين. أ. هـ
وهذا تدليس صريح وكذب لا يبرره إلا التعصب الأعمى، فالحق أنّ هذه اللفظة (يهجر) لم تنسب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أي رواية لا في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب أهل السنة كما يدعون، نعم هي ثابتة في الصحيحين وغيرهما لكن ليست عنه - رضي الله عنه -،والذي هو محل النزاع، والصحيح كما في الروايات الصحيحة أنّ من قالها هم بعض الحاضرين كما في رواية الشيخين. والأصح في ضبط هذه اللفظة (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - أي هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟ نص على ذلك القاضي عياض (?) والنووي (?) والسيوطي (?).
وقال الإمام النووي: "وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الحال الدالة على وفاته وعظيم المصاب وخوف الفتن والضلال بعده" (?).
وقال الدهلوي:"من أين يثبت أن قائل هذا القول هو عمر - رضي الله عنه - مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع " (?). ونجمل الرد في الآتي:
أولاً: إنّ الثابت الصحيح في هذه اللفظة أنها وردت بصيغة الاستفهام هكذا (أهجر؟) استفهاماً، وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر، ويهجر) وتمسك به بعضهم فإنه مرجوح على ما حقق ذلك المحدثون، وشراح الحديث: منهم القاضي عياض (?)، والقرطبي (?)، والنووي (?)، وابن حجر (?).
فقد نصوا على أن الاستفهام هنا جاء من الصحابة لا على سبيل وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجر، وإنما على سبيل الإنكار على من قال منهم: (لا تكتبوا).وهو استنكار استفهامي.
قال الإمام القرطبي: ((وقوله: أهجرَ؟ استفهموه؛ كذا الرِّواية الصحيحة في هذا الحرف أهَجَرَ؟ بهمزة الاستفهام، وهَجَرَ بالفتح بغير تنوين على أنَّه: فعل ماض. وقد رواه بعضهم: أهُجُرًا بفتح الهمزة،