وَلَا يُفِيد أصل الْعلم بِهَذِهِ الْأُمُور، بل لَا بُد من تكرارها وتردادها وملاحظتها كل حِين، وَجعلهَا بَين عَيْنَيْهِ حَتَّى تمتلئ القوى العلمية بهَا، فتنقاد الْجَوَارِح لَهَا، وَهَذِه الثَّلَاثَة مَعَ اثْنَيْنِ آخَرين أَحدهمَا بَيَان الْأَحْكَام من الْوَاجِب وَالْحرَام وَغَيرهمَا، وَثَانِيهمَا مخاصمة الْكفَّار - فنون خَمْسَة هِيَ عُمْدَة عُلُوم الْقُرْآن الْعَظِيم.
أما التَّدْبِير العملي، فالعمدة فِيهِ التَّلَبُّس بهيآت وأفعال وَأَشْيَاء تذكر النَّفس الْخصْلَة الْمَطْلُوبَة، وتنبهها لَهَا، وتهيجها إِلَيْهَا، وتحثها عَلَيْهَا إِمَّا لتلازم عَادَة بَينهَا وَبَين الْخصْلَة، أَو لكَونهَا مَظَنَّة لَهَا بِحكم الْمُنَاسبَة الجبلية، فَكَمَا أَن الْإِنْسَان إِذا أَرَادَ أَن يُنَبه نَفسه للغضب، ويحضره بَين عَيْنَيْهِ يتخيل الشتم الَّذِي تفوه بِهِ المغضوب عَلَيْهِ، وَالَّذِي يلْحقهُ من الْعَار وَنَحْو ذَلِك، والنائحة إِذا أَرَادَت أَن تجدّد عهدها بالفجع تذكر نَفسهَا محَاسِن الْمَيِّت، وتتخيلها، وتبعث من خواطرها الْخَيل وَالرجل إِلَيْهَا، وَالَّذِي يُرِيد الْجِمَاع، يتَمَسَّك بداوعيه، ونظائر هَذَا الْبَاب كَثِيرَة جدا لَا تعصى على من يُرِيد الْإِحَاطَة بجوانب الْكَلَام، فَكَذَلِك لكل وَاحِدَة من هَذِه الْخِصَال أَسبَاب تكتسب بهَا، والاعتماد فِي معرفَة تِلْكَ الْأُمُور على ذوق أهل الأذواق السليمة، فأسباب الْحَدث امتلاء الْقلب بِحَالَة سفلية، كقضاء الشَّهْوَة من النِّسَاء جماعا ومباشرة، وإضماره مُخَالفَة الْحق وإحاطة لَهُنَّ الْمَلأ الْأَعْلَى بِهِ، وَكَونه حاقبا حاقنا، وَقرب الْعَهْد بالبول وَالْغَائِط وَالرِّيح، وَهَذِه الثَّلَاثَة فضول الْمعدة، وتوسخ الْبدن والبخر واجتماع المخاط ونبات الشّعْر على الْعَانَة والابط وتلطخ الثَّوْب وَالْبدن بالنجاسات المستقذرة، وامتلاء الْحَواس بِصُورَة تذكر الْحَالة السفلية كالقاذورات وَالنَّظَر إِلَى الْفرج ومسافدة الْحَيَوَانَات وَالنَّظَر الممعن فِي الْجِمَاع والطعن فِي الْمَلَائِكَة وَالصَّالِحِينَ وَالسَّعْي فِي إِيذَاء النَّاس، وَأَسْبَاب الطَّهَارَة إِزَالَة هَذِه الْأَشْيَاء واكتساب أضدادها وَاسْتِعْمَال مَا تقرر فِي الْعَادَات كَونه نظافة بالغه كالغسل وَالْوُضُوء وَلبس أحسن الثِّيَاب وَاسْتِعْمَال الطّيب، فَإِن اسْتِعْمَال هَذِه الْأَشْيَاء تنبه النَّفس على صفة الطَّهَارَة، وَأَسْبَاب الإخبات مُؤَاخذَة نَفسه بِمَا هُوَ أَعلَى حالات التَّعْظِيم عِنْده من الْقيام