قد فَرغْنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين عَمَّا أردنَا إِيرَاده فِي هَذَا الْكتاب وشرطناه على أَنْفُسنَا، وَلَا استوعب الْمَذْكُور جَمِيع مَا هُوَ مَكْنُون فِي صدورنا من أسرار الشَّرِيعَة فَلَيْسَ كل وَقت يسمح الْقلب بمضمونات السرائر وينفع اللِّسَان بمكنونات الضمائر، وَلَا كل حَدِيث يثنى للعامة وَلَا كل شَيْء يحسن ذكره بِغَيْر تمهيد مقدماته، وَلَا استوعب مَا جمع الله فِي صدورنا جَمِيع مَا أنزل على قلب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيف يكون لمورد الْوَحْي ومنزل الْقُرْآن نِسْبَة مَعَ رجل من أمته هَيْهَات ذَلِك، وَلَا استوعب مَا جمع الله فِي صَدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيع مَا عِنْد الله تَعَالَى من الحكم والمصالح المرعية فِي أَحْكَامه تَعَالَى، وَقد أوضح عَن ذَلِك الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ، مَا نقص علمي وعلمك إِلَّا كَمَا نقص هَذَا العصفور من الْبَحْر. فَمن هَذَا الْوَجْه يَنْبَغِي أَن يعرف فخامة أَمر الْمصَالح المرعية فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَأَنَّهَا لَا مُنْتَهى لَهَا، وَأَن جَمِيع مَا يذكر فِيهَا غير واف بِوَاجِب حَقّهَا. وَلَا كَاف بِحَقِيقَة شَأْنهَا وَلَكِن مَا لَا يدْرك كُله لَا يتْرك كُله، وَنحن الْآن نشتغل بِشَيْء من الْيُسْر. والفتن. والمناقب على التَّيْسِير دون الِاسْتِيعَاب، وَالله الْمُوفق والمعين، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.
نَبينَا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي، نَشأ من أفضل الْعَرَب نسبا وَأَقْوَاهُمْ شجاعة وأوفرهم سخاوة وأفصحهم لِسَان وأذكاهم جنَانًا، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَا تبْعَث إِلَّا فِي نسب قَومهَا، فَإِن النَّاس معادن كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة، وجودة الْأَخْلَاق يَرِثهَا الرجل من آبَائِهِ وَلَا يسْتَحق النُّبُوَّة إِلَّا الكاملون فِي الْأَخْلَاق.