اعْلَم أَنه مِمَّا أوجبت سَلامَة الْفطر وَوُقُوع الْحَاجَات فِي أشخاص الْإِنْسَان والارتفاق مِنْهَا آدَاب يتأدبون بهَا فِيمَا بَينهم، وأكثرها أُمُور اجْتمعت طرائف الْعَرَب والعجم على أُصُولهَا وَإِن اخْتلفُوا فِي الصُّور والأشباح، فَكَانَ الْبَحْث عَنْهَا وتميز الصَّالح من الْفَاسِد مِنْهَا إِحْدَى الْمصَالح الَّتِي بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا.
فَمِنْهَا التَّحِيَّة الَّتِي يحيي بهَا بَعضهم بَعْضًا؛ فَإِن النَّاس يَحْتَاجُونَ إِلَى إِظْهَار التبشيش فِيمَا بَينهم. وَأَن يلاطف بَعضهم بَعْضًا. وَيرى الصَّغِير فضل الْكَبِير وَيرْحَم الْكَبِير الصَّغِير. ويواخى الأقران بَعضهم بَعْضًا؛ فَإِنَّهُ لَوْلَا هَذِه لم تثمر الصُّحْبَة فائدتها وَلَا أنتجت جدولها وَلَو لم تضبط بِلَفْظ لكَانَتْ من الْأُمُور الْبَاطِنَة لَا يعلم إِلَّا استنباطا من الْقَرَائِن، وَلذَلِك جرت سنة السّلف فِي كل طَائِفَة بِتَحِيَّة حَسْبَمَا أدّى إِلَيْهِ رَأْيهمْ ثمَّ صَارَت شعارا لملتهم وإمارة لكَون الرجل مِنْهُم.
فَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: أنعم الله بك علينا وأنعم الله بك صبحا
وَكَانَ الْمَجُوس يَقُولُونَ: هز إرْسَال برزي.
وَكَانَ قانون الشَّرْع يَقْتَضِي أَن يذهب فِي ذَلِك إِلَى مَا جرت بِهِ سنة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وتلقوها عَن الْمَلَائِكَة.
وَكَانَ من قبيل الدُّعَاء وَالذكر دون الاطمئنان بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا كتمني طول الْحَيَاة وَزِيَادَة الثروة وَدون الافراط فِي التَّعْظِيم حَتَّى يتاخم الشّرك
كالسجدة ولئم الأَرْض وَذَلِكَ هُوَ السَّلَام، فقد قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لما خلق الله آدم قَالَ: اذْهَبْ فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر وهم نفر من الْمَلَائِكَة جُلُوس فاستمع مَا يحينوك يحيونك لله فَإِنَّهَا تحيتك وتحية ذريتك فَذهب فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله، قَالَ: فزادوه وَرَحْمَة لله.
قَوْله: " فَسلم على أُولَئِكَ " مَعْنَاهُ - وَالله أعلم - حيهم حَسْبَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجتهادك فَأصَاب الْحق، فَقَالَ: " السَّلَام عَلَيْكُم " وَقَوله: " فانها تحيتك " يعْنى حتما من حَيْثُ إِنَّه عرف أَن ذَلِك مترشح من حَظِيرَة الْقُدس.