قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الله يرضى من العَبْد أَن يَأْكُل الْأكلَة فيحمده عَلَيْهَا وَيشْرب الشربة وَيَحْمَدهُ عَلَيْهَا " قد مر سره.
وَقد روى عَن الْحَمد صِيغ أَيهَا فعل فقد أدّى السّنة: مِنْهَا الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مكفى وَلَا مُودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا ".
وَمِنْهَا الْحَمد الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وَجَعَلنَا مُسلمين.
وَمِنْهَا الْحَمد لله الَّذِي أطْعم وَسَقَى وسوغه وَجعل لَهُ مخرجا.
وَلما كَانَت الضِّيَافَة بَابا من أَبْوَاب السماحة وسببا لجمع شَمل الْمَدِينَة وَالْملَّة مُؤديا إِلَى تودد النَّاس وَألا يتَضَرَّر أَبنَاء السَّبِيل وَجب أَن تعد من الزَّكَاة ويرغب فِيهَا ويحث عَلَيْهَا، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه " ثمَّ مست الْحَاجة إِلَى تَقْدِير مُدَّة الضِّيَافَة لِئَلَّا يحرج الضَّيْف أَو يعد الْقَلِيل مِنْهَا كثيرا فَقدر الاكرام بِيَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ الجائزه وَجعل آخر الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ بعد ذَلِك صَدَقَة.
وَاعْلَم أَن إِزَالَة الْعقل بتناول الْمُسكر يحكم الْعقل بقبحه لَا محَالة إِذْ فِيهِ تردى النَّفس فِي ورطة البهيمية والتبعد من الملكية فِي الْغَايَة وتغيير خلق الله حَيْثُ أفسد عقله الَّذِي خص الله بِهِ نوع الْإِنْسَان وَمن بِهِ عَلَيْهِم وإفساد الْمصلحَة المنزلية والمدنية وإضاعة المَال والتعرض لهيآت مُنكرَة يضْحك مِنْهَا الصّبيان.
وَقد جمع الله تَعَالَى كل هَذِه الْمعَانِي تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا فِي هَذِه الْآيَة
{إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة} الْآيَة.
وَلذَلِك اتّفق جَمِيع الْملَل والنحل على قبحه بالمرة، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يَظُنّهُ من لَا بَصِيرَة لَهُ من أَنه حسن بِالنّظرِ إِلَى الْحِكْمَة العملية لما فِيهِ من تَقْوِيَة الطبيعة فَإِن هَذَا الظَّن من بَاب اشْتِبَاه الْحِكْمَة الطّيبَة بالحكمة العملية، وَالْحق أَنَّهُمَا متغايرتان وَكَثِيرًا مَا يَقع بَينهمَا تجاذب وتنازع كالقتال يحرمه الطِّبّ لما فِيهِ من التَّعَرُّض لفك البنية الإنسانية الْوَاجِب حفظهَا فِي الطِّبّ، وَرُبمَا أوجبته الْحِكْمَة العملية إِذا كَانَ فِيهِ صَلَاح الْمَدِينَة أَو دفع عَار شَدِيد، وكالجماع يُوجِبهُ الطِّبّ عِنْد التوقان وَخَوف التأذي من تَركه، وَرُبمَا حرمته الْحِكْمَة العملية إِذا كَانَ فِيهِ عَار أَو منابذة سنة راشدة.