مِنْهَا إراحة الذَّبِيحَة فَإِنَّهُ أقرب طَرِيق لازهاق الرّوح، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فليرح ذَبِيحَته " وَهُوَ سر النَّهْي عَن شريطة الشَّيْطَان.
وَمِنْهَا أَن الدَّم أحد النَّجَاسَات الَّتِي يغسلون الثِّيَاب إِذا أَصَابَهَا ويتحفظون مِنْهَا وَالذّبْح تَطْهِير للذبيحة مِنْهَا، والخنق والبعج تنجيس لَهَا بِهِ.
وَمِنْهَا أَنه صَار ذَلِك أحد شَعَائِر الْملَّة الحنيفة يعرف بِهِ الحنيفي من غَيره فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْخِتَان وخصال الْفطْرَة، فَلَمَّا بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقيما للملة الحنيفية وَجب الْحِفْظ عَلَيْهِ، ثمَّ لَا بُد من تَمْيِيز الخنق والبعج من غَيرهمَا، وَلَا يتَحَقَّق إِلَّا بِأَن يُوجب المحدد وَأَن يُوجب الْحلق واللبة فَهَذَا مَا نهى عَنهُ لأجل حفظ الصِّحَّة النفسانية والمصلحة الملية، وَأما الَّذِي ينْهَى عَنهُ لأجل الصِّحَّة الْبَدَنِيَّة كالسموم والمفترات فحالها ظَاهر.
وَإِذا تمهدت هَذِه الْأُصُول حَان أَن نشتغل بالتفصيل، فَنَقُول: مَا نهى الله عَنهُ من الْمَأْكُول صنفان: صنف نهى عَنهُ لِمَعْنى فِي نوع الْحَيَوَان. وصنف نهى عَنهُ لفقد شَرط الذّبْح، فالحيوان على أَقسَام: أَهلِي يُبَاح مِنْهُ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} .
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا طيبَة معتدلة المزاج مُوَافقَة لنَوْع الْإِنْسَان، وَأذن يَوْم خَيْبَر فِي الْخَيل وَنهى عَن الْحمر، وَذَلِكَ لِأَن الْخَيل يستطيبه الْعَرَب والعجم وَهُوَ
أفضل الدَّوَابّ عِنْدهم وَيُشبه الْإِنْسَان، وَالْحمار يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْحمق والهوان وَهُوَ يرى الشَّيْطَان فينهق وَقد حرمه من الْعَرَب أذكاهم فطْرَة وأطيبهم نفسا، واكل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم الدَّجَاج، وَفِي مَعْنَاهَا الأوز والبط لِأَنَّهَا من الطَّيِّبَات والديك يرى الْملك فيصقع، وَيحرم الْكَلْب والسنور لِأَنَّهُمَا من السبَاع ويأكلان الْجِيَف، وَالْكَلب شَيْطَان.
وَوَحْشِي يحل مِنْهُ مَا يشبه بَهِيمَة الْأَنْعَام فِي اسْمهَا ووصفها كالظباء وَالْبَقر الوحشي والنعامة، وأهدي لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم الْحمار الوحشي فَأَكله والأرنب فَقبله، وَأكل الضَّب على مائدته لِأَن الْعَرَب يستطيبون هَذِه الْأَشْيَاء، وَاعْتذر فِي الضَّب تَارَة بِأَنَّهُ " لم يكن بِأَرْض قومِي فأجدني أعافه " وَتارَة بِاحْتِمَال المسخ وَالنَّهْي عَنهُ تَارَة وَلَيْسَ فِيهَا عِنْدِي تنَاقض لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا وَجْهَان جَمِيعًا كل وَاحِد كَاف فِي الْعذر لَكِن ترك مَا فِيهِ الِاحْتِمَال ورع من غير تَحْرِيم، وَأَرَادَ بِالنَّهْي الْكَرَاهَة التنزيهية،