وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " إِذا تقاضى إِلَيْك رجلَانِ فَلَا تقض للْأولِ حَتَّى تسمع كَلَام الآخر فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يتَبَيَّن لَك الْقَضَاء أَقُول: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْد مُلَاحظَة الحجتين يظْهر التَّرْجِيح ".

وَأعلم أَن الْقَضَاء فِيهِ مقامان: أَحدهمَا أَن يعرف جلية الْحَال الَّتِي تشاجرا فِيهِ، وَالثَّانِي الحكم الْعدْل فِي تِلْكَ الْحَالة، وَالْقَاضِي قد يحْتَاج إِلَيْهِمَا وَقد يحْتَاج إِلَى أَحدهمَا فَقَط فَإِذا ادّعى كل وَاحِد أَن هَذَا الْحَيَوَان مثلا ملكه قد ولد فِي يَده، وَهَذَا الْحجر التقطه من جبل ارْتَفع الْإِشْكَال لمعْرِفَة جلية الْحَال.

والقضية الَّتِي وَقعت بَين عَليّ، وَزيد، وجعفر رَضِي الله عَنْهُم فِي حضَانَة بنت حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ كَانَت جلية الْحَال مَعْلُومَة وَإِنَّمَا كَانَ الْمَطْلُوب الحكم.

وَإِذا ادّعى وَاحِد على الآخر الْغَصْب وَالْمَال متغير صفته وَأنكر الآخر

وَقعت الْحَاجة أَولا إِلَى معرفَة جلية الْحَال هَل كَانَ هُنَاكَ غصب أَولا، وَثَانِيا إِلَى الحكم هَل يحكم بردعين الْمَغْصُوب أَو قِيمَته، وَقد ضبط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا المقامين بضوابط كُلية، أما الْمقَام الأول فَلَا أَحَق فِيهِ من الشَّهَادَات والأيمان فَإِنَّهُ لَا يُمكن معرفَة الْحَال إِلَّا باخبار من حضرها أَو بِإِخْبَار صَاحب الْحَال مؤكدا بِمَا يظنّ أَنه لَا يكذب مَعَه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لادعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ " فالمدعي هُوَ الَّذِي يَدعِي خلاف الظَّاهِر وَيثبت الزِّيَادَة، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ هُوَ مستصحب الأَصْل والمتمسك بِالظَّاهِرِ وَلَا عدل ثمَّ من أَن يعْتَبر فِيمَن يَدعِي بَيِّنَة وفيمن يتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ ويدرأ عَن نَفسه الْيَمين إِذا لم تقم حجَّة الآخر.

وَقد أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَبَب مَشْرُوعِيَّة هَذَا الأَصْل حَيْثُ قَالَ: " لَو يعْطى النَّاس " الخ يَعْنِي كَانَ سَببا للتظالم فَلَا بُد من حجَّة، ثمَّ أَنه يعْتَبر فِي الشَّاهِد صفة كَونه مرضيا عَنهُ لقَوْله تَعَالَى:

{مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} .

وَذَلِكَ بِالْعقلِ. وَالْبُلُوغ. والضبط. والنطق. وَالْإِسْلَام. وَالْعَدَالَة. والمروءة. وَعدم التُّهْمَة.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015