وَسُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الثَّمر الْمُعَلق، فَقَالَ:
" من أَصَابَهُ بِفِيهِ من ذِي حَاجَة غير متخذ خبنه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ "
اعْلَم أَن دفع التظالم بَين النَّاس إِنَّمَا هُوَ أَن يقبض على يَد من يضر
بِالنَّاسِ وَيَتَعَدَّى عَلَيْهِم، لَا أَن يتبع شحهم وغمر نُفُوسهم، فَفِي صُورَة الْأكل من الثَّمر الْمُعَلق غير المحرز الْكثير الَّذِي لَا يشح مِنْهُ بشبع إِنْسَان مُحْتَاج إِذا لم يكن هُنَاكَ مُجَاوزَة حد الْعرف. وَلَا اتِّخَاذ خبنة، وَلَا رمي الْأَشْجَار بِالْحِجَارَةِ، فان الْعرف يُوجب الْمُسَامحَة فِي مثله، فَمن ادّعى فِي مثل ذَلِك فانه اتبع الشُّح، وَقصد الضرار. فَلَا يتبع، وَأما مَا كَانَ من ثَمَر مشفوة أَو اتِّخَاذ خبنة أَو رمى الْأَشْجَار أَو مُجَاوزَة الْحَد فِي الاتلاف بِوَجْه من الْوُجُوه فَفِيهِ التعرير والغرامة.
وَأما لبن الْمَاشِيَة فالافية فِيهِ متعارضة، وَقد بَينهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاسها تَارَة على الْمَتَاع المخزون فِي الْبيُوت، فَنهى عَن حلبه. وَتارَة على الثَّمر الْمُعَلق والأشياء غير المحرزة، فأباح مِنْهُ بِقدر الْحَاجة لمن لم يجد صَاحب المَال ليستأذنه، وَالْأَصْل فِيمَا اخْتلف فِيهِ الاحاديث وأظهرت الْعِلَل أَن يجمع بِاعْتِبَار تِلْكَ الْعِلَل، فحينما جرت الْعَادة ببذل مثله وَلَيْسَ هُنَاكَ شح وتضييق وَكَانَت حَاجَة جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وعَلى مثل ذَلِك يَنْبَغِي أَن يعْتَبر تصرف الزَّوْجَة فِي مَال الزَّوْج وَالْعَبْد فِي مَال سَيّده
اعْلَم أَن من الْمعاصِي مَا شرع الله فِيهِ الْحَد، وَذَلِكَ كل مَعْصِيّة جمعت وُجُوهًا من المفسده، بِأَن كَانَت فَسَادًا فِي الأَرْض واقتضابا على طمأنينة الْمُسلمين، وَكَانَت لَهَا دَاعِيَة فِي نفوس بني آدم لَا تزَال تهيج فِيهَا، وَلها ضراوة لَا يَسْتَطِيعُونَ الاقلاع مِنْهَا بعد أَن أشربت قُلُوبهم بهَا، وَكَانَ فِيهِ ضَرَر لَا يَسْتَطِيع الْمَظْلُوم دَفعه عَن نَفسه فِي كثير من الأحيان، وَكَانَ كثير الْوُقُوع فِيمَا بَين النَّاس، فَمثل هَذِه الْمعاصِي لَا يَكْفِي فِيهَا التَّرْهِيب بِعَذَاب الْآخِرَة، بل لَا بُد من إِقَامَة ملامة شَدِيدَة عَلَيْهَا وإيلام، ليَكُون بَين أَعينهم ذَلِك، فيردعهم عَمَّا يريدونه.
كَالزِّنَا فَإِنَّهَا تهيج من الشبق وَالرَّغْبَة فِي جمال النِّسَاء، وَلها شرة وفيهَا عَار شَدِيد