كَانَ فِي كلا الْجَانِبَيْنِ النَّقْد أَو الطَّعَام كَانَ الحكم يبْذل أَحدهمَا تحكما، وَلَو لم يبْذل من الْجَانِبَيْنِ كَانَ بيع الكالئ بالكالئ وَرُبمَا يشح بِتَقْدِيم الْبَذْل، فَاقْتضى الْعدْل أَن يقطع الْخلاف بَينهمَا، ويؤمرا جَمِيعًا أَلا يَتَفَرَّقَا إِلَّا عَن قيض، وَإِنَّمَا خص الطَّعَام والنقد لِأَنَّهُمَا أصلا الْأَمْوَال وأكثرها تعاورا، وَلَا ينْتَفع بهما إِلَّا بعد إهلاكهما، فَلذَلِك كَانَ الْحَرج فِي التَّفَرُّق عَن بيعهمَا قبل الْقَبْض أَكثر وأفضى إِلَى الْمُنَازعَة، وَالْمَنْع فيهمَا أردع من تدقيق الْمُعَامَلَة.
وَاعْلَم أَن مثل هَذَا الحكم إِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَلا يجْرِي الرَّسْم بِهِ، وَألا يعْتَاد تكسب ذَلِك النَّاس لَا أَلا يفعل شَيْء مِنْهُ أصلا، وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبلَال: " بِعْ التَّمْر بِبيع آخر، ثمَّ اشْتَرِ بِهِ ".
وَاعْلَم أَن من الْبيُوع مَا يجْرِي فِيهِ معنى الميسر، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتعاملون بهَا فِيمَا بَينهم، فَنهى عَنْهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مِنْهَا الْمُزَابَنَة أَن يَبِيع الرجل الثَّمر فِي رُءُوس النّخل بِمِائَة فرق من التَّمْر مثلا.
والمحاقلة أَن يَبِيع الزَّرْع بِمِائَة فرق حِنْطَة، وَرخّص فِي الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لِأَنَّهُ عرف أَنهم لَا يقصدون فِي ذَلِك الْقدر الميسر، وَإِنَّمَا يقصدون أكلهَا رطبا، وَخَمْسَة أوسق هُوَ نِصَاب الزَّكَاة وَهِي مِقْدَار مَا يتفكه بِهِ أهل الْبَيْت.
وَمِنْهَا بيع الصُّبْرَة من الثَّمر لَا يعلم مكيلتها بِالْكَيْلِ الْمُسَمّى من التَّمْر.
وَالْمُلَامَسَة أَن يكون لمس الرجل ثوب الآخر بِيَدِهِ بيعا.
والمنابذة أَن يكون نبذ الرجل بِثَوْبِهِ بيعا من غير نظر.
وَبيع الْحَصَاة أَن يكون وُقُوع الْحَصَاة بيعا.
فَهَذِهِ الْبيُوع فِيهَا معنى الميسر، وفيهَا قلب مَوْضُوع الْمُعَامَلَة، وَهُوَ اسْتِيفَاء حَاجته بترو وَتثبت.
وَنهى عَن بيع العربان أَن يقدم إِلَيْهِ شَيْء من الثّمن، فَإِن اشْترى حسب من الثّمن، وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ مجَّانا وَفِيه معنى الميسر.