شُرَكَاء فِيهِ، فَيقدم الأسبق فالأسبق، وَمعنى الْملك فِي حق الْآدَمِيّ كَونه أَحَق بِالِانْتِفَاعِ من غَيره.
قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" عادى الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني ". اعْلَم: أَن عادى الأَرْض هِيَ الَّتِي باد عَنْهَا أَهلهَا، وَلم يبْقى من يدعيها، ويخاصم فِيهَا، ويحتج بسبق يَد مُوَرِثه عَلَيْهَا فَإِذا كَانَت الأَرْض على هَذِه الصّفة انْقَطع عَنْهَا ملك الْآدَمِيّين، وخلصت لملك الله، وَحكمهَا حكم مَا لم يحيى قطّ لما ذَكرْنَاهُ من معنى الْملك.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا حمى إِلَّا لله وَرَسُوله ". أَقُول: لما كَانَ الْحمى تضييقا على النَّاس وظلما عَلَيْهِم واضطرارا نهى عَنهُ، وَإِنَّمَا اسْتثْنى الرَّسُول لِأَنَّهُ أعطَاهُ الله الْمِيزَان، وَعَصَمَهُ من أَن يفرط مِنْهُ مَا لَا يجوز، وَقد ذكرنَا أَن الْأُمُور الَّتِي مبناها على المظان الْغَالِبَة يسْتَثْنى مِنْهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَن والأمور الَّتِي مبناها على تَهْذِيب النَّفس وَمَا يشبه ذَلِك فَالْأَمْر لَازم فِيهَا النَّبِي وَغَيره سَوَاء.
وَقضى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سيل المهزور أَن يمسك حَتَّى يبلغ
الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يُرْسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل، وَفِي قصَّة مخاصمة الزبير رَضِي الله عَنهُ " اسْقِ يَا زبير، ثمَّ احْبِسْ حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك ". أقو ل: الأَصْل فِيهِ أَنه لما توجه للنَّاس فِي شَيْء مُبَاح حُقُوق مترتبة وَجب أَن يُرَاعِي التَّرْتِيب فِي قدر مَا يحصل لكل وَاحِد فَائِدَة هِيَ أدنى مَا يعْتد بهَا فَإِنَّهُ لَو لم يقدم الْأَقْرَب كَانَ فِيهِ التحكم والمضارة، وَلَو لم يسْتَوْف الأول ثمَّ الأول الْفَائِدَة لم يحصل الْحق، فعلى هَذَا الأَصْل قضى أَن يمسك حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ، وَهُوَ قريب من قَوْله: " إِلَى الْجدر " لِأَنَّهُ أول حد بُلُوغ الْجدر، وَإِنَّمَا يكون قبله امتصاص الأَرْض من غير أَن يصادم الْجِدَار.