ووسائط جود الله على أهل الأَرْض بِالْوَجْهِ الَّذِي سبق ذكره، وَذكر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتعظيم، وَطلب الْخَيْر من الله تَعَالَى فِي حَقه - آلَة صَالِحَة للتوجه إِلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ من سد مدْخل التحريف حَيْثُ لم يذكرهُ إِلَّا بِطَلَب الرَّحْمَة لَهُ من الله تَعَالَى، وأرواح الكمل إِذا فَارَقت أجسادها صَارَت كالموج المكفوف لَا يهزها إِرَادَة متجددة وداعية سانحة، وَلَكِن النُّفُوس الَّتِي هِيَ دونهَا تلتصق مِنْهَا بالهمة فيجلب بهَا نورا وهيئة مُنَاسبَة بالأرواح، وَهِي المكنى عَنهُ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام:
" مَا من أحد يسلم عَليّ إِلَّا رد الله على روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام " وَقد شاهدت ذَلِك مَا لَا أحصى فِي مجاورتي الْمَدِينَة سنة ألف وَمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعين.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا تجْعَلُوا زِيَارَة قَبْرِي عيدا " أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى سد مدْخل التحريف كَمَا فعل الْيَهُود وَالنَّصَارَى بقبور أَنْبِيَائهمْ، وجعلوها عيدا وموسما بِمَنْزِلَة الْحَج.
وَاعْلَم أَنه مست الْحَاجة إِلَى تَوْقِيت الْأَذْكَار وَلَو بِوَجْه أسمح من تَوْقِيت النواميس إِذْ لَو لم تؤقت لتساهل المتساهل، وَذَلِكَ إيما بأوقات أَو أَسبَاب، وَقد ذكرنَا تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا أَن الْمُخَصّص لبَعض الْأَوْقَات دون بعض، إِمَّا ظُهُور الروحانية فِيهِ كالصباح والمساء، أَو خلو النَّفس عَن الهيئات الرذيلة كحالة التيقظ من النّوم، أَو فراغها من الارتفاقات وَأَحَادِيث الدُّنْيَا ليَكُون كالمصقلة كخالة إِرَادَة النّوم، وَأَن الْمُخَصّص للسببيه أَن يكون سَببا لنسيان ذكر الله وَذُهُول النَّفس عَن الِالْتِفَات تِلْقَاء جناب الله، فَيجب فِي مثل ذَلِك أَن يعالج بِالذكر، ليَكُون ترياقا لسمها وجابرا لخللها، أَو طَاعَة لَا يتم نَفعهَا، وَلَا تكمل فائدتها إِلَّا بمزج ذكر مَعهَا كالأذكار المسنونة فِي الصَّلَوَات، أَو حَالَة تنبه النَّفس على مُلَاحظَة خوف الله وعظيم سُلْطَانه، فَإِن هَذِه الْحَالة سائقة لَهَا إِلَى الْخَيْر من حَيْثُ يدْرِي وَمن حَيْثُ لَا يدْرِي، كأذكار الْآيَات من الرّيح والظلمة والكسوف، أَو حَالَة يخْشَى فِيهَا الضَّرَر، فَيجب أَن يسْأَل الله من فَضله، ويتعوذ مِنْهُ فِي أَولهَا كالسفر وَالرُّكُوب، أَو حَالَة كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسْتَرقونَ فِيهَا لاعتقادات تميل إِلَى اشراك بِاللَّه أَو طيرة أَو نَحْو ذَلِك كَمَا كَانُوا يعوذون بالجن وَعند رُؤْيَة الْهلَال، وَقد بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَائِل هَذِه الْأَذْكَار وآثارها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إتماما للفائدة وإكمالا للترغيب.
والعمدة فِي ذَلِك أُمُور: