أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه مَسْأَلَة دخل فِيهَا التحريف من أهل الْكتاب، فبمخالفتهم، ورد تحريفهم قيام الْملَّة.
وَنهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْوِصَال " فَقيل: إِنَّك تواصل، قَالَ: وَأَيكُمْ مثلي؟ ! إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني " أَقُول: النَّهْي عَن الْوِصَال إِنَّمَا هُوَ لأمرين: أَحدهمَا أَلا يصل إِلَى حد الإجحاف كَمَا بَينا، وَالثَّانِي أَلا تحرف الْملَّة، وَقد أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنه لَا يَأْتِيهِ الإجحاف لِأَنَّهُ مؤيد بِقُوَّة ملكية نورية وَهُوَ مَأْمُون.
وَلَا اخْتِلَاف بَين قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لم يجمع الصَّوْم قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ " وَبَين قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين لم يجد طَعَاما " إِنِّي إِذا صَائِم " لِأَن الأول فِي الْفَرْض. وَالثَّانِي فِي النَّفْل. وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ نفي الْكَمَال.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذا سمع النداء أحدكُم " ألخ أَقُول: المُرَاد بالنداء هُوَ نِدَاء خَاص أَعنِي نِدَاء بِلَال، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر حَدِيث " إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل ".
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذا أفطر أحدكُم فليفطر على تَمْرَة فَإِنَّهُ بركَة فَإِن لم يجد فليفطر على مَاء فَإِنَّهُ طهُور ".
أَقُول: الحلو يقبل عَلَيْهِ الطَّبْع لَا سِيمَا بعد الْجُوع، وَيُحِبهُ الكبد، وَالْعرب يمِيل طبعهم إِلَى التَّمْر، وللميل فِي مثله أثر، فَلَا جرم أَنه يصرفهُ فِي الْمحل الْمُنَاسب من الْبدن وَهَذَا نوع من الْبركَة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من فطر صَائِما أَو جهز غازيا فَلهُ مثل أجره " أَقُول: من فطر صَائِما لِأَنَّهُ صَائِم يسْتَحق التَّعْظِيم، فَإِن ذَلِك صَدَقَة وتعظيم للصَّوْم وصلَة بِأَهْل الطَّاعَات، فَإِذا تمثلت صورته فِي الصُّحُف كَانَ متضمنا لِمَعْنى الصَّوْم من وُجُوه، فجوزي بذلك.
وَمن أذكار الْإِفْطَار: ذهب الظمأ، وابتلت الْعُرُوق، وَثَبت الْأجر إِن شَاءَ الله، وَفِيه بَيَان الشُّكْر على الْحَالَات الَّتِي يستطيبها الْإِنْسَان بطبيعته أَو عقله مَعًا، وَمِنْهَا اللَّهُمَّ لَك صمت، وعَلى رزقك أفطرت، وَفِيه تَأْكِيد الْإِخْلَاص فِي الْعَمَل وَالشُّكْر على النِّعْمَة.