فَمن الْكمّ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يتقدمن أحدكُم رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون رجلا كَانَ يَصُوم يَوْمًا فليصم ذَلِك الْيَوْم " وَنَهْيه عَن صَوْم يَوْم الْفطر. وَيَوْم الشَّك، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَين هَذِه وَبَين رَمَضَان فصل، فَلَعَلَّهُ إِن أَخذ ذَلِك المتعمقون سنة فيدركه مِنْهُم الطَّبَقَة الْأُخْرَى وهلم جرا يكون تحريفا، وأصل التعمق أَن يُؤْخَذ مَوضِع الِاحْتِيَاط لَازِما، وَمِنْه يَوْم الشَّك.
وَمن الكيف النَّهْي عَن الْوِصَال وَالتَّرْغِيب فِي السّحُور، وَالْأَمر بِتَأْخِيرِهِ وَتَقْدِيم الْفطر، فَكل ذَلِك تشدد وتعمق من صنع الْجَاهِلِيَّة، وَلَا اخْتِلَاف بَين قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذا انتصف شعْبَان فَلَا تصوموه " وَحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا " مَا رَأَيْت النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين إِلَّا شعْبَان ورمضان " لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعل فِي نَفسه مَا لَا يَأْمر بِهِ الْقَوْم، وَأكْثر ذَلِك مَا هُوَ من بَاب سد الذرائع وَضرب مظنات كُلية، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُون من أَن يسْتَعْمل الشَّيْء فِي غير مَحَله، أَو يُجَاوز الْحَد الَّذِي أَمر بِهِ إِلَى إضعاف المزاج وملال الخاطر، وَغَيره لَيْسَ بمأمون، فيحتاجون إِلَى ضرب تشريع وسد تعمق، وَلذَلِك كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاهم أَن يجاوزا أَربع نسْوَة، وَكَانَ أحل لَهُ تسع فَمَا فَوْقهَا لِأَن عِلّة الْمَنْع أَلا يُفْضِي إِلَى جور.
ثمَّ الْهلَال يثبت بشهاده مُسلم عدل أَو مَسْتُور أَنه رَآهُ، وَقد سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كلتا الصُّورَتَيْنِ، " جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْهلَال، قَالَ: أَتَشهد؟ " الحَدِيث وَأخْبر ابْن عمر أَنه رَآهُ فصَام، وَكَذَلِكَ الحكم فِي كل مَا كَانَ من أُمُور الْملَّة فَإِنَّهُ يشبه الرِّوَايَة.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة " أَقُول: فِيهِ بركتان: إِحْدَاهمَا رَاجِعَة إِلَى إصْلَاح الْبدن أَلا ينفعهولا يضعف إِذْ الْإِمْسَاك يَوْمًا كَامِلا نِصَاب، فَلَا يُضَاعف.
وَالثَّانيَِة رَاجِعَة إِلَى تَدْبِير الْملَّة أَلا يتعمق فِيهَا، وَلَا يدخلهَا تَحْرِيف أَو تَغْيِير.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر " وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فصل مَا بَين وَمَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل الْكتاب أَكلَة السحر " وَقَالَ الله تَعَالَى: " أحب عبَادي إِلَيّ أعجلهم فطرا "