وَلما كَانَت الْبَهِيمَة الشَّدِيدَة مَانِعَة عَن ظُهُور أَحْكَام الملكية وَجب الاعتناء بقهرها. وَلما كَانَ سَبَب شدتها وتراكم طبقاتها وغزارتها هُوَ الْأكل، وَالشرب والانهماك فِي اللَّذَّات الشهوية فَإِنَّهُ يفعل مَا لَا يَفْعَله الْأكل الرغد - وَجب أَن يكون طَرِيق الْقَهْر تقليل هَذِه الْأَسْبَاب، وَلذَلِك اتّفق جَمِيع من يُرِيدُونَ ظُهُور أَحْكَام الملكية على تقليلها ونقصها مَعَ اخْتِلَاف مذاهبهم وتباعد أقطارهم، وَأَيْضًا فالمقصود إذعان البهيمية للملكية بِأَن تتصرف حسب وحيها، وتنصبغ بصبغها، وتمنع الملكية مِنْهَا بألا تقبل ألوانها الدنية، وَلَا تنطبع فِيهَا نقوشها الخسيسة كَمَا تنطبع نقوش الْخَاتم فِي الشمعة، وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا أَن تَقْتَضِي الملكية شَيْئا من ذَاتهَا. وتوحيه إِلَى البهيمية، وتقترحه عَلَيْهَا، فتنقاد لَهَا، وَلَا تبغي عَلَيْهَا، وَلَا تتمنع مِنْهَا، ثمَّ تَقْتَضِي أَيْضا، وتنقاد هَذِه أَيْضا - ثمَّ، وَثمّ - حَتَّى تعتاد ذَلِك وتتمرن، وَهَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي تقتضيها هَذِه من ذَاتهَا، وتقسر تِلْكَ عَلَيْهِم على رغم أنفها إِنَّمَا يكون من جنس مَا فِيهِ انْشِرَاح لهَذِهِ وانقباض لتِلْك، وَذَلِكَ كالتشبه بالملكوت والتطلع للجبروت، فَإِنَّهُمَا خاصية الملكية بعيدَة عَنْهُمَا البهيمية غَايَة الْبعد، أَو ترك مَا تَقْتَضِيه البهيمية، وتستلذه وتشتاق إِلَيْهِ فِي غلوائها - وَهَذَا هُوَ الصَّوْم - وَلما لم تكن الْمُوَاظبَة على هَذِه من جُمْهُور النَّاس مُمكنَة مَعَ مَا هم فِيهِ من الارتفاقات المهمة ومعافسة الْأَمْوَال والأزواج، وَجب أَن يلْتَزم بعد كل طَائِفَة من الزَّمَان مِقْدَار يعرف حَالَة ظُهُور الملكية وابتهاجها بمقتضياتها،
وَيكفر مَا فرط مِنْهُ قبلهَا، وَيكون مثله كَمثل حصان طوله مربوطا بآخية يستن يَمِينا وَشمَالًا، ثمَّ يرجع إِلَى آخيته، وَهَذِه مداوة بعد مداومة الْحَقِيقِيَّة، تمّ وَجب تعْيين مِقْدَار لِئَلَّا يفرط أحد، فيستعمل مِنْهُ مَا لَا يَنْفَعهُ، وينجع فِيهِ، أَو يفرط