عَلَيْهِ الرَّجَاء ثمَّ زياده النَّفْع كرجلين مِقْدَار مَالهمَا وَاحِد. صرفه أَحدهمَا فِيمَا إِلَى مَا يهمه، وينفعه، وألهم التَّدْبِير الصَّالح فِي صرفه، وَالْآخر أضاعه، وَلم يقتصد فِي التَّدْبِير، وَهَذِه الْبركَة تجلبها هَيْئَة النَّفس بِمَنْزِلَة جلب الدُّعَاء.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من يستعفف يعفه الله " الحَدِيث أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه الكيفيات النفسانية فِي تَحْصِيلهَا أثر عَظِيم لجمع الهمة وتأكد الْعَزِيمَة.
ثمَّ مست الْحَاجة إِلَى وَصِيَّة النَّاس أَن يؤدوا الصَّدَقَة إِلَى الْمُصدق بسخاوة نفس، وفيهَا قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذا أَتَاكُم الْمُصدق فليصدر عَنْكُم وَهُوَ عَنْكُم رَاض " وَذَلِكَ لتحَقّق الْمصلحَة الراجعة إِلَى النَّفس، وَأَرَادَ أَن يسد بَاب اعتذراهم فِي الْمَنْع بالجور. وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِن عدلوا فلأنفسهم، وَإِن ظلمُوا فعلَيْهَا " وَلَا اخْتِلَاف بَين هَذَا الحَدِيث. وَبَين قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَمن سُئِلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْط " إِذْ الْجور نَوْعَانِ: نوع أظهر النَّص حكمه، وَفِيه لَا يُعْط، وَنَوع فِيهِ للِاجْتِهَاد مساغ وللظنون تعَارض، وَفِيه سد بَاب الِاعْتِذَار، وَإِلَى وَصِيَّة الْمُصدق أَلا يعتدي فِي أَخذ الصَّدَقَة، وَأَن يَتَّقِي كرائم أَمْوَالهم وَألا يغل ليتَحَقَّق الانصاف وتتوفر الْمَقَاصِد.
وسر قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يحملهُ على رقبته إِن كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاء " يَتَّضِح من مُرَاجعَة مَا بَينا فِي مَانع الزَّكَاة، وَإِلَى سد مكايد أهل الْأَمْوَال وفيهَا لَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِأَن يتَصَدَّق الْمَرْء فِي حَيَاته بدرهم خير لَهُ من أَن يتَصَدَّق بِمِائَة عِنْد مَوته "، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مثله كَمثل الَّذِي يهدي إِذا شبع " أَقُول: سره أَن إِنْفَاق مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَلَا يتَوَقَّع الْحَاجة إِلَيْهِ لنَفسِهِ لَيْسَ بعتد على سخاوة يعْتَمد بهَا.