وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَربع قبل الظّهْر: " تفتح لَهُنَّ أَبْوَاب اسماء " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّهَا سَاعَة تفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء، فَأحب أَن يصعد لي فِيهَا عمل صَالح " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مشيء إِلَّا يسبح فِي تِلْكَ السَّاعَة " أَقُول: قد ذكرنَا من قبل أَن المتعالي عَن الْوَقْت لَهُ تجليات فِي الْأَوْقَات، وَأَن الروحانية تَنْتَشِر فِي بعض الْأَوْقَات، فراجع هَذَا الْفَصْل
وَإِنَّمَا سنّ أَربع بعد الْجُمُعَة لمن صلاهَا فِي الْمَسْجِد، وركعتان بعْدهَا لمن صلاهَا فِي بَيته لِئَلَّا يحصل مثل الصَّلَاة فِي وَقتهَا ومكانها فِي اجْتِمَاع عَظِيم من النَّاس، فَإِن ذَلِك يفتح على الْعَوام ظن الْإِعْرَاض من الْجَمَاعَة وَنَحْو ذَلِك من الأوهام، وَهُوَ أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يُوصل صَلَاة بِصَلَاة حَتَّى يتَكَلَّم، أَو يخرج، وروى أَربع قبل الْعَصْر وست بعد الْمغرب وَلم يسن بعد الْفجْر لِأَن السّنة فِيهِ الْجُلُوس فِي مَوضِع الصَّلَاة إِلَى صَلَاة الْإِشْرَاق، فَحصل الْمَقْصُود، وَلِأَن الصَّلَاة بعده تفتح بَاب المشابهة بالمجوس، وَلَا بعد الْعَصْر للمشابهة الْمَذْكُورَة
وَمِنْهَا صَلَاة اللَّيْل اعْلَم أَنه لما كَانَ آخر اللَّيْل - وَقت صفاء الخاطر عَن الاشغال المشوشة وَجمع الْقلب. وهدء الصَّوْت ونوم النَّاس. وابعد من
الرِّيَاء والسمعة - وَأفضل أَوْقَات الطَّاعَة مَا كَانَ فِيهِ الْفَرَاغ وإقبال الخاطر، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نياما " وَقَوله تَعَالَى:
{إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطئا وأقوام قيلا إِن لَك فِي النَّهَار سحبا طَويلا}
وَأَيْضًا فَذَلِك الْوَقْت وَقت نزُول الرَّحْمَة الإلهية، وَأقرب مَا يكون الرب إِلَى العَبْد فِيهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ من قبل، وَأَيْضًا فللسهر خاصية عَجِيبَة فِي إضعاف البهيمية، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الترياق، وَلذَلِك جرت عَادَة طوائف النَّاس أَنهم إِذا أَرَادوا تسخير السبَاع وَتَعْلِيمهَا الصَّيْد لم يستطيعوه إِلَّا من قبل السهر والجوع، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن هَذَا السهر جهد وَثقل " الحَدِيث - كَانَت الْعِنَايَة بِصَلَاة التَّهَجُّد أَكثر فَبين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضائلها، وَضبط آدابها وأذكارها