الَّذِي فرض الله علينا طَاعَته بِسَنَد صَالح يدل على خلاف مذْهبه، وَتَركنَا حَدِيثه، وَاتَّبَعنَا ذَلِك التخمين فَمن أظلم منا، وَمَا عذرنا يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين.
وَمِنْهَا أَن التَّخْرِيج على كَلَام الْفُقَهَاء وتتبع لفظ الحَدِيث لكل مِنْهُمَا أصل أصيل فِي الدّين، وَلم يزل الْمُحَقِّقُونَ من الْعلمَاء فِي كل عصر يَأْخُذُونَ بهما، فَمنهمْ من يقل من ذَا وَيكثر وَمن ذَاك. .، وَمِنْهُم من يكثر من ذَا ويقل من ذَاك، فَلَا يَنْبَغِي أَن يهمل أَمر وَأحد مِنْهُمَا بالمرة كَمَا يَفْعَله عَامَّة الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنَّمَا الْحق البحت أَن يُطَابق أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَأَن يجْبر خلل كل بِالْآخرِ، وَذَلِكَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ: سنتكم وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، بَينهمَا، بَين الغالي والجافي، فَمن كَانَ من أهل الحَدِيث يَنْبَغِي أَن يعرض مَا اخْتَارَهُ، وَذهب إِلَيْهِ على رَأْي الْمُجْتَهدين من التَّابِعين، وَمن كَانَ من أهل التَّخْرِيج يَنْبَغِي لَهُ أَن يَجْعَل من السّنَن مَا يحْتَرز بِهِ من مُخَالفَة الصَّرِيح الصَّحِيح وَمن القَوْل بِرَأْيهِ فِيمَا فِيهِ حَدِيث أَو أثر بِقدر الطَّاقَة. وَلَا يَنْبَغِي لمحدث أَن يتعمق بالقواعد الَّتِي أحكمها أَصْحَابه، وَلَيْسَت مِمَّا نَص عَلَيْهِ الشَّارِع، فَيرد بِهِ حَدِيثا أَو قِيَاسا صَحِيحا كرد مَا فِيهِ أدنى شَائِبَة. الْإِرْسَال والانقطاع كَمَا فعله ابْن حزم، رد حَدِيث تَحْرِيم المعازف لشائبة الِانْقِطَاع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، على أَنه فِي نَفسه مُتَّصِل صَحِيح، فَإِن مثله إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد التَّعَارُض، وكقولهم: فلَان أحفظ لحَدِيث فلَان من غَيره، فيرجحون حَدِيثه على حَدِيث غَيره لذَلِك، وَإِن كَانَ فِي الآخر ألف وَجه من الرجحان.
وَكَانَ اهتمام جُمْهُور الروَاة عِنْد الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى برءوس الْمعَانِي دون الاعتبارات الَّتِي يعرفهَا المتعمقون من أهل الْعَرَبيَّة، فاستدلالهم بِنَحْوِ الْفَاء وَالْوَاو وَتَقْدِيم كلمة وتأخيرها وَنَحْو ذَلِك من التعمق، وَكَثِيرًا مَا يعبر الرَّاوِي الآخر عَن تِلْكَ الْقِصَّة، فَيَأْتِي مَكَان ذَلِك الْحَرْف بِحرف آخر، وَالْحق أَن كل مَا يَأْتِي بِهِ الرَّاوِي فَظَاهره أَنه كَلَام النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِن ظهر حَدِيث آخر أَو دَلِيل آخر وَجب الْمصير إِلَيْهِ.
وَلَا يَنْبَغِي لمخرج أَن يخرج قولا لَا يفِيدهُ نفس كَلَام أصَاحب، وَلَا يفهمهُ مِنْهُ أهل الْعرف وَالْعُلَمَاء باللغة، وَيكون بِنَاء على تَخْرِيج منَاط أَو حمل نَظِير الْمَسْأَلَة عَلَيْهَا مِمَّا يخْتَلف فِيهِ أهل الْوُجُوه وتتعارض الآراء، وَلَو أَن أَصْحَابه سئلوا عَن تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَرُبمَا يحملون النظير على النظير كمانع، وَرُبمَا ذكرُوا عِلّة غير مَا خرجه هُوَ إِنَّمَا جَازَ التَّخْرِيج لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة من تَقْلِيد الْمُجْتَهد، وَلَا يتم إِلَّا فِيمَا يفهم من كَلَامه، وَلَا يَنْبَغِي أَن يرد حَدِيثا أَو أثرا تطابق عَلَيْهِ الْقَوْم لقاعدة أستخرجها هُوَ أَو أَصْحَابه كرد حَدِيث الْمُصراة وكأسقاط سهم ذَوي الْقُرْبَى، فَإِن رِعَايَة الحَدِيث أوجب من رِعَايَة تِلْكَ الْقَاعِدَة المخرجة