فَإِنَّهَا مضيعة للزمان ولصفوة مكدرة، فقد صَحَّ عَن الشَّافِعِي أَنه نهى عَن تَقْلِيده وتقليد غَيره.
قَالَ صَاحبه الْمُزنِيّ فِي أول مُخْتَصره: اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي وَمن معنى قَوْله: لأَقْرَب بِهِ على من أَرَادَ مَعَ إعلامية نَهْيه عَن تَقْلِيده وتقليد غَيره، لينْظر فِيهِ لدينِهِ، ويحتاط لنَفسِهِ: أَي مَعَ إعلامي من أَرَادَ علم الشَّافِعِي نهى الشَّافِعِي عَن تَقْلِيده وتقليد غَيره انْتهى.
وفيمن يكون عامياً، ويقلد رجلا من الْفُقَهَاء بِعَيْنِه يرى أَنه يمْتَنع من مثله الْخَطَأ، وَأَن مَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب أَلْبَتَّة، وأضمر فِي قلبه أَلا يتْرك تَقْلِيده
وَإِن ظهر الدَّلِيل على خِلَافه، وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عدي بن حَاتِم أَنه قَالَ: سمعته - يَعْنِي رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يقْرَأ.
{اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} .
قَالَ: " إِنَّهُم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذا حرمُوهُ عَلَيْهِم شَيْئا محرما " ... ، وفيمن لَا يجوز أَن يستفتي الْحَنَفِيّ مثلا فَقِيها شافعيا وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يجوز أَن يَقْتَدِي الْحَنَفِيّ بِإِمَام شَافِعِيّ مثلا، فَإِن هَذَا قد إِجْمَال الْقُرُون الأولى، وناقض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ محلّة فِيمَن لَا يدين إِلَّا بقول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يعْتَقد حَلَالا إِلَّا مَا أحله الله وَرَسُوله، وَلَا حَرَامًا إِلَّا مَا حرمه الله وَرَسُوله، لَكِن لما لم يكن لَهُ علم بِمَا قَالَه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بطرِيق الْجمع بَين المختلفات من كَلَامه، وَلَا بطرِيق الاستنباط من كَلَامه اتبع عَالما راشدا على أَنه مُصِيب فِيمَا يَقُول، ويفتي ظَاهرا مُتبع سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِن خَالف مَا يَظُنّهُ أقلع من سَاعَته من غير جِدَال وَلَا إِصْرَار، فَهَذَا كَيفَ يُنكره أحد مَعَ أَن الاستفتاء والافتاء لم يزل بَين الْمُسلمين من عهد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلَا فرق بَين أَن يستفتي هَذَا دَائِما، أَو يستفتى هَذَا حينا وَذَلِكَ حينا بعد أَن يكون مجمعا على مَا ذَكرْنَاهُ، كَيفَ لَا وَلم نؤمن بفقيه أيا كَانَ أَنه أوحى الله إِلَيْهِ الْفِقْه، وَفرض علينا طَاعَته، وَأَنه معصومة، فَإِن اقتدينا بِوَاحِد مِنْهُم فَذَلِك لعلمنا بِأَنَّهُ عَالم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله، فَلَا يخلوا قَوْله إِمَّا أَن يكون من صَرِيح الْكتاب وَالسّنة، أَو مستنبطا عَنْهُمَا بِنَحْوِ من الاستنباط، أَو عرف بالقرائن أَن الحكم فِي صُورَة مَا منوطة بعلة كَذَا، وَاطْمَأَنَّ قلبه بِتِلْكَ الْمعرفَة، فقاس غير الْمَنْصُوص على الْمَنْصُوص، فَكَأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت
أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: - كلما وجدت هَذِه الْعلَّة فَالْحكم ثمَّة هَكَذَا - والمقيس مندرج فِي هَذَا الْعُمُوم، فَهَذَا أَيْضا معزى إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِن فِي طَرِيقه ظنون، وَلَوْلَا ذَلِك لما قلد مُؤمن بمجتهد، فَإِن بلغنَا حَدِيث عَن الرَّسُول الْمَعْصُوم