يقول صلى الله عليه و سلم: (اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريٌّ أن يُحسن صلاته، و صلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها .. ) (?)
كل ذلك و غيره يهيء المسلم للاستفادة من الصلاة و ما فيها من قراءةٍ للقرآن، و ذكر، و دعاء في تحقيق هدفها بزيادة الإيمان و تحسين السلوك ..
عندما تغيب هذه الرؤية ويصبح الهدف هو أداة العبادة، بأي شكلٍ كانت، فإن ثمرة العبادة لا تكاد تظهر للوجود، ومن ثمَّ يظل العبد في مكانه؛ فلا يتقدّم في مضمار سباق السائرين إلى الله، ولا يجد حلاوة الإيمان، ولا يشعر بتحسن ملحوظ في سلوكه، لتكون النتيجة: إنسانًا ذو شخصيتين متناقضتين؛ فقد تجده كثير الصلاة والصيام والحج والاعتمار، ومع ذلك تجده لا يؤدي الأمانة، ولا يتحرى الصدق، ويسيء معاملة الآخرين، ويحسدهم على كل خير يبلغهم .. يصاب بالهلع والفزع إذا ما تعرَّضت أمواله وممتلكاته أو دنياه لمكروه ...
هذه المظاهر السلبية وغيرها تدل على أن صاحبها لم يَسْتَفِد من عباداته، ولم يتحسن إيمانه من خلالها، وبالتالي لم ينتج منها الأثر الصحيح الذي من شأنه أن يصلح السلوك و المعاملات ..
وتأكيدًا لهذا التشخيص، لك أخي القارئ أن تتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر" (?) ..
وكذلك قوله (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه) (?)
وقوله (ليجيئن أقوام يوم القيامة و أعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار، قالوا: يا رسول الله مصلين؟ قال: (نعم كانوا يصلون و يصومون و يأخذون هنة من الليل فإذا عُرض عليهم شيء من الدنيا وثبوا عليه) (?)
فالمقصد من العبادة ليس فقط أداؤها من الناحية الشكلية، بل المهم والأهم هو أداؤها بطريقة تحقق هدفها؛ فإراقة دماء الهَدْي في الحج على سبيل المثال ليست مقصودة لذاتها، بل المقصود هو زيادة الإيمان والتقوى من خلال أداء هذه الشعيرة {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج: 37)
من هنا نقول بأنه ينبغي علينا أن نهتم بتحسين العمل ليتحقق من خلاله مقصود العبادة، ويزداد الإيمان في القلب ..
وفي هذا المعنى يقول الحافظ بن رجب:
كان السلف يوصون بإتقان العمل وتحسينه دون الإكثار منه، فإن العمل القليل مع التحسين و الإتقان، أفضل من الكثيرمع الغفلة و عدم الإتقان.
وقال بعضهم: إن الرجلين ليقومان في الصف، و بين صلاتهما كما بين السماء و الأرض.
ولهذا قال ابن عباس و غيره: صلاة ركعتين في تفكر خير من قيام ليلة و القلب ساهٍ.
إن القلب هو محل نظر الله عز و جل، ومن ثمَّ فإن الأعمال تتفاضل عنده سبحانه بتفاضل مافي القلوب من إيمان ومحبة و إخلاص و خشية له، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة موافقة هذه الأعمال للشرع ..
و لئن كان السير إلى الله و القرب منه إنما يكون بالقلوب، فإن وسائل ذلك هي العبادات و الأعمال الصالحة التي دلنا عليها القرآن و السنة، و لكي تتم الاستفادة من هذه الوسائل في تحقيق الهدف لابد من تحسينها والاهتمام بتفاعل القلب معها، أما إذا تم التعامل معها على أنها غايات فسيصبح همّ المرء إتيانها و الإكثار منها بأي شكل كان دون النظر لحضور القلب وانتفاعه بها، فيؤدي هذا إلى غياب الأثر الإيجابي للعبادات والأعمال الصالحة في حياة الفرد.