قِيلَ (عِيسَى وَ) قِيلَ (مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِنَبِيٍّ هَذِهِ (أَقْوَالٌ) مَرْجِعُهَا التَّارِيخُ (وَالْمُخْتَارُ) كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ (الْوَقْفُ تَأْصِيلًا) عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (وَتَفْرِيعًا) عَلَى الْإِثْبَاتِ عَنْ تَعْيِينِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِ (وَ) الْمُخْتَارُ (بَعْدَ النُّبُوَّةِ الْمَنْعُ) مِنْ تَعَبُّدِهِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ لِأَنَّ لَهُ شَرْعًا يَخُصُّهُ وَقِيلَ تَعَبَّدَ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ اسْتِصْحَابًا لِتَعَبُّدِهِ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ
(مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ) أَيْ الْبَعْثَةِ (مَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قِيلَ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِهِ (وَبَعْدَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ أَصْلَ الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنَافِعِ الْحِلُّ) قَالَ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَلَا يُمْتَنُّ إلَّا بِالْجَائِزِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَيْ فِي دِينِنَا أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ (إلَّا أَمْوَالَنَا) فَإِنَّهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيمُ (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ) وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَيُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّحْرِيمُ وَبَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ ثُمَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْكِ آدَم مَعَ أَنَّهُ مَحْكِيٌّ ثُمَّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ نُوحٌ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] وَبِأَنَّهُ إبْرَاهِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68] وقَوْله تَعَالَى {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] وَبِأَنَّهُ مُوسَى بِقَوْلِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُوسَى وَبِأَنَّهُ عِيسَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّ الْمُرَادَ بِمَسَاقِ هَذِهِ الْآيِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَبَيَانُ إطْبَاقِ النَّبِيِّينَ عَلَى الدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَسْلَكِهِ الْمَعْرُوفِ رَادًّا عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا بُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرَتْ الْآيُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى ذِكْرِ إبْرَاهِيمَ فِي تَأْيِيدِ التَّوْحِيدِ وَالرَّدِّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِيسَى إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَصَارَ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى تَحْقِيقٍ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهَا آخِرُ الشَّرَائِعِ قَبْلَ شَرِيعَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ الْخَلْقُ كَافَّةً مُكَلَّفِينَ بِهَا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَبْعُوثًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَلَوْ ثَبَتَ ابْتِعَاثُهُ إلَيْهِمْ فَقَدْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُ دَارِسَةَ الْأَعْلَامِ مُؤْذِنَةً بِالِانْصِرَامِ وَالشَّرَائِعُ إذَا دُرِسَتْ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: مَرْجِعُهَا التَّارِيخُ) أَيْ كُتُبُ التَّارِيخِ فَإِنَّهُ بُيِّنَ فِيهَا كَيْفِيَّةُ تَعَبُّدِهِ (قَوْلُهُ: تَأْصِيلًا) أَيْ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْرِيعًا أَيْ فِي تَفْرِيعِهَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ عَنْ تَعْيِينِ مُتَعَلِّقٍ بِالْوَقْفِ كَقَوْلِهِ عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَتَفْرِيعًا) لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَعَبَّدَ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ إلَخْ) هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَيْهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ وَحْيٌ لَهُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ الصَّحِيحُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْأَصْلُ بِمُجَرَّدِ الْبَعْثَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَا بَعْدَهَا إلَّا بِوُرُودِ الشَّرْعِ بَعْدَهَا وَعَدَمِ وُرُودِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَتِمَّ بِمُجَرَّدِ الْبَعْثَةِ فَأَيُّ شَيْءٍ لَمْ يَرِدْ حُكْمُهُ بَعْدَ الْبَعْثَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا قَبْلَهَا فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْأَصْلُ بَعْدَ الْبَعْثَةِ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُمَا مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ بَلْ تَأَخَّرَ إلَى نُزُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. سم
[مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ]
(قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ أَنَّ حُكْمَهَا الْأَصْلِيَّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فِي مِعْرَضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ.
قَوْلُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أَيْ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ غَيْرَهُ فَالْمَعْنَى لَا ضَرَرَ تُدْخِلُونَهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا ضِرَارَ لِغَيْرِكُمْ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي نَفْسِهِ مَوْجُودٌ بِكَثْرَةٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَمْوَالَنَا) أَيْ الْمُخْتَصَّةَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ إلَخْ) وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَتَحْرِيمُ مَا ذَكَرَ بِالنَّصِّ
[مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْسَانِ]
(قَوْلُهُ: الِاسْتِحْسَانُ)