مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ كَافِرًا فَلَيْسَ بِصَاحِبٍ لَهُ لِعَدَاوَتِهِ وَفُصِلَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمُتَعَلَّقِهِ بِالْحَالِ لِتَلِي صَاحِبَهَا، وَهُوَ ضَمِيرٌ اجْتَمَعَ وَعُدِّلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى مِنْ أَوَّلِ الصُّحْبَةِ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ (وَإِنْ لَمْ يَرْوِ) عَنْهُ شَيْئًا (وَلَمْ يُطِلْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ اسْمٌ لِلْفَرْدِ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاهِيَّةِ، وَقَوْلُهُ أَيْ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ لِمَعْنَى النِّسْبَةِ فِي صَحَابِيٍّ، وَهُوَ تَسْمِيَةٌ إسْلَامِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ اجْتَمَعَ) أَيْ اجْتِمَاعًا مُتَعَارَفًا كَمَا يُفِيدُهُ الْعُدُولُ عَنْ رَأْيٍ لَا مَا وَقَعَ عَلَى جِهَةِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَقُوهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَا مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ كَالْأَطْفَالِ الَّذِينَ حَنَّكَهُمْ قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي الْمَرَاسِيلِ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ نَوْفَلٍ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ» اهـ.
وَفِي النُّكَتِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ اشْتِرَاطُهُ يَعْنِي الِاجْتِمَاعَ الْمُتَعَارَفَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا الصُّحْبَةَ لِأَطْفَالٍ حَنَّكَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسَحَ وُجُوهَهُمْ أَوْ تَفَلَ فِي أَفْوَاهِهِمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّمِيمِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَنَحْوِهِمْ اهـ.
وَلَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا خَرَجَ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَنَحْوِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ مُؤْمِنُو الْجِنِّ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الْأَثِيرِ عَدَّهُمْ فِي الصَّحَابَةِ دُونَ مَنْ رَآهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْهُمْ قَالَ فِي النُّكَتِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ؛ لِأَنَّ الْجِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ الَّذِينَ شَمِلَتْهُمْ الرِّسَالَةُ وَالْبَعْثَةُ فَكَانَ ذِكْرُ مَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِمَّنْ رَآهُ حَسَنًا بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ وَإِذَا نَزَلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَكَمَ بِشَرْعِهِ فَهَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْأَرْضِ الظَّاهِرُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ كَافِرًا) أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ نَظَرٌ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحْبِطَةٌ لِلصُّحْبَةِ السَّابِقَةِ كَعِتْرَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا مَنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَجَزَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَعْنِي الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيَّ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ بِبَقَاءِ اسْمِ الصُّحْبَةِ لَهُ قَالَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لُقِيُّهُ فِي حَالِ النُّبُوَّةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَدْخُلَ مَنْ رَآهُ قَبْلَهَا وَمَاتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ قَبْلَهَا، ثُمَّ أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ وَأَسْلَمَ، وَلَمْ يَرَهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ذِكْرُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ وَلَدَهُ إبْرَاهِيمَ دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهَا كَالْقَاسِمِ
(قَوْلُهُ: لِعَدَاوَتِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ صَاحِبًا (قَوْلُهُ: لِتَلِي صَاحِبَهَا) قَدْ يُقَالُ الْفَصْلُ لِذَلِكَ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا لِيَلِيَ مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ الْفِعْلُ، قُلْنَا: بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَالَ مِنْ تَتِمَّةِ الْفَاعِلِ إذْ هِيَ وَصْفٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى، وَالْفَاعِلُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولُهُ أَيْضًا وَتَعَلُّقُهُ بِهِ فَوْقَ تَعَلُّقِ الْمَعْمُولِ الْآخَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْعُولِ بِهِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَمِيرُ اجْتَمَعَ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ صَاحِبَهَا مِنْ، وَلَمْ يُجْعَلْ صَاحِبُ الْحَالِ مِنْ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ، وَفِي مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي مَجِيئِهِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ مَلْزُومُهَا فَتَسَاوَى التَّعْرِيفَانِ، ثُمَّ إنَّ التَّعْرِيفَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَالَ: وَعَنْ أَصْحَابِ الْأُصُولِ أَوْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ وَانْصَرَفَ بِلَا مُصَاحَبَةٍ وَلَا مُتَابَعَةٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ صَحَابِيًّا إلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَضَعِيفٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُعَدَّ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَشِبْهُهُ صَحَابِيًّا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ صَحَابَةٌ اهـ.
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِهِ وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهُ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَرَوَى