قَالَ الزُّهْرِيُّ مُوهِمًا أَيْ مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَالثَّانِي نَحْوُ أَنْ يُقَالَ حَدَّثَنَا وَرَاءَ النَّهْرِ مُوهِمًا جَيْحُونَ وَالْمُرَادُ أَنْهُرُ مِصْرَ كَأَنْ يَكُونَ بِالْجِيزَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَارِيضِ لَا كَذِبَ فِيهِ (أَمَّا مُدَلِّسُ الْمُتُونِ) ، وَهُوَ مَنْ يُدْرِجُ كَلَامَهُ مَعَهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ (فَمَجْرُوحٌ) لِإِيقَاعِهِ غَيْرَهُ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(مَسْأَلَةٌ. الصَّحَابِيُّ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي يُسَمَّى صَحَابِيًّا أَيْ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ اجْتَمَعَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَخَرَجَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ) أَيْ أَوْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظٍ مُوهِمٍ بَلْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ وَمِنْ التَّدْلِيسِ أَنْ يُسْقِطَ الرَّاوِي شَيْخَهُ وَيَرْتَقِي إلَى شَيْخِ شَيْخِهِ الَّذِي عَاصَرَهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْخَ شَيْخِهِ فَهُوَ إرْسَالٌ (قَوْلُهُ: مُوهِمًا جَيْحُونَ) ، وَهُوَ نَهْرُ بَلْخٍ، وَهُوَ حَدٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ عِرَاقِ الْعَجَمِ الَّذِي هُوَ إيرَانُ وَبَيْنَ بِلَادِ التُّرْكِ، وَهُوَ إقْلِيمُ تُورَانَ الَّذِي مِنْ قَوَاعِدِهِ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَكَاشْغَرْ، وَهُوَ إقْلِيمٌ وَاسِعٌ جِدًّا خَرَجَ مِنْهُ أَفَاضِلُ لَا تُحْصَى يُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِعُلَمَاءِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَأَوَّلُ خَرَابِ هَذَا الْإِقْلِيمِ ظُهُورُ جِنْكِيزْ خَانْ وَلَهُ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ ذَكَرَهَا الْمُؤَرِّخُونَ وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْإِسْلَامِ فِتْنَةٌ أَشَدُّ مِنْ ظُهُورِ التَّتَارِ وَتَلَاهَا فِي الشِّدَّةِ فِتْنَةُ تَيْمُورْلَنْكْ وَالْكُلُّ مِنْ التَّتَارِ، ثُمَّ ضَعُفَ حَالُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ انْتَهَى حَالُهُمْ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَةِ الْمُوَسَّقِ، وَهُمْ الْآنَ كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِمْ كُفَّارًا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِدِينٍ فَلَمَّا مَلَكُوا مُعْظَمَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَتَسَلْطَنُوا بِهَا وَخَالَطُوا الْعُلَمَاءَ وَالْمَشَايِخَ الْكِبَارَ أَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَأَكْرَمُوا الْعُلَمَاءَ وَأَلَّفُوا بِأَسْمَائِهِمْ التَّآلِيفَ الْعَظِيمَةَ كَالْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة فِي فِقْهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّدْلِيسَ بِإِيهَامِ النَّفْيِ وَالْمُعَاصَرَةِ مِنْ الْمَعَارِضِ جَمْعُ تَعْرِيضٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا فِي مَحَاسِنَ جَمْعُ حَسَنٍ، وَهُوَ كَلَامٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ لِيُلَوِّحَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ غَيْرُ حَرَامٍ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ لَمْ يَكُنْ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلَّا الْمِقْدَادُ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ قَوْلُهُ فِينَا يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا (قَوْلُهُ: أَمَّا تَدْلِيسُ الْمُتُونِ) أَيْ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى الْإِدْرَاجُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ أَيْ مَثَلًا كَأَنْ يَقُولَ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّاتِ (قَوْلُهُ: فَمَجْرُوحٌ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَا صَوَّرَ بِهِ الشَّارِحُ تَدْلِيسَ الْمُتُونِ عُنْوِنَتْ فِي كُتُبِ الْمُصْطَلَحِ بِزِيَادَةِ الثِّقَاتِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ قَبُولُهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تُقْبَلُ إنْ زَادَهَا غَيْرُ مَنْ رَوَاهُ نَاقِصًا، وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ رَوَاهُ نَاقِصًا وَقَسَّمَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ الصَّلَاحَ أَقْسَامًا: أَحَدُهَا زِيَادَةٌ تُخَالِفُ الثِّقَاتِ فَتُرَدُّ الثَّانِي مَا لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ كَتَفَرُّدِ ثِقَةٍ بِجُمْلَةِ حَدِيثٍ فَتُقْبَلُ قَالَ الْخَطِيبُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
الثَّالِثُ: زِيَادَةُ لَفْظَةٍ فِي حَدِيثٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سَائِرُ رُوَاتِهِ كَحَدِيثِ «جُعِلَتْ الْأَرْضُ لَنَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا» انْفَرَدَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا فَهَذَا يُشْبِهُ الْأَوَّلَ أَيْ الْمَرْدُودَ وَيُشْبِهُ الثَّانِي أَيْ الْمَقْبُولَ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ وَالصَّحِيحُ قَبُولُ هَذَا الْأَخِيرِ اهـ. (فَائِدَةٌ)
قَالَ الْحَاكِمُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي وَخُرَاسَانَ وَالْجِيَالِ وَأَصْبَهَانَ وَبِلَادِ فَارِسَ وَخُورِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسُوا وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَمَّا أَهْلُ بَغْدَادَ فَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا التَّدْلِيسُ إلَّا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ لِلشِّيعَةِ الْوَاسِطِيُّ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّدْلِيسَ بِهَا وَمَنْ دَلَّسَ مِنْ أَهْلِهَا إنَّمَا تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْخَطِيبُ كِتَابًا فِي أَسْمَاءِ الْمُدَلِّسِينَ، ثُمَّ ابْنُ عَسَاكِرَ
(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ. الصَّحَابِيُّ إلَخْ) الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّذْيِيلُ لِمَا قَبْلَهَا وَالتَّمْهِيدُ لِمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَبْحَثُ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي الرَّاوِي، وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَمَا بَعْدَهَا تَبْحَثُ عَنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّخْصُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَصْفَ لِمَفْهُومِهِ إلَّا الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ