(أَوْ بَيَانٌ) لِانْتِهَاءِ أَمَدِهِ (وَالْمُخْتَارُ) الْأَوَّلُ لِشُمُولِهِ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَسَيَأْتِي جَوَازُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رَفَعَ (الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ: مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَطْعًا وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ فَكَيْفَ يُرْفَعُ وَأَيًّا كَانَ فَلَا رَفْعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانَ بَلْ زَوَالَ مَا يُظَنُّ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّاسِخِ زَالَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ الْمَظْنُونُ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِشُمُولِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ صَارَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحُكْمُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ انْتَهَى أَمَدُهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ امْتِدَادٌ وَفِيهِ أَنَّ الرَّفْعَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَمْ يَحْصُلْ الْحُكْمُ فَلَا يَشْمَلُهُ الْأَوَّلُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ نَعَمْ الْحُكْمُ فِي الْأَوَّلِ إزَالَةُ النَّاسِخِ وَفِي الثَّانِي انْتَهَى بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مُغَيَّا بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالنَّاسِخُ مُبَيِّنٌ لَهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا قِيلَ: إنَّهُ رَفْعٌ يَكُونُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَمَدٍ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ مُطْلَقٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ فَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا إنْ قُلْت إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا كَانَ الثَّانِي مُنَاقِضًا لَهُ، وَيَكُونُ الْإِطْلَاقُ عَبَثًا فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ افْعَلُوا مَا لَمْ أَنْهَكُمْ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّ الْمَعْنَى افْعَلُوا الْأَمَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مَعَ تَكَلُّفِهِ إذَا سُلِّمَ، غَايَتُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يُدْفَعُ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الشُّمُولِ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّسْخَ أَبَدًا مَا يُنَافِي فِي شَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ فَنَقُولُ: قَوْلُ الشَّارِعِ: افْعَلُوا الشَّرْطَ اسْتِمْرَارُهُ أَنْ لَا يَنْهَى، وَهَذَا شَرْطٌ تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ كَمَا أَنَّ شَرْطَ اسْتِمْرَارِهِ الْقُدْرَةُ، وَلَوْ قَدْرَ عَجْزِ الْمَأْمُورِ تَبَيَّنَ بِهِ بُطْلَانُ شَرْطِ الِاسْتِمْرَارِ
فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ قُلْنَا نُفَارِقُهُمْ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إنَّا نُجَوِّزَ نَسْخَ الْأَمْرِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ افْعَلُوا أَبَدًا جَوَّزْنَا نَسْخَهُ؛ لِأَنَّا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: افْعَلُوا أَبَدًا إنْ لَمْ أَنْهَكُمْ عَنْهُ؛ إذْ شَرْطُ اسْتِمْرَارِهِ عَدَمُ النَّهْيِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا الدَّفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَا يَشْمَلُ نَسْخَ بَعْضِ الْقُرْآنِ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا إذْ لَيْسَ رَفْعًا لِحُكْمٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَسْخَ التِّلَاوَةِ فَقَطْ مَعْنَاهُ نَسْخُ حُرْمَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَسِّ عَلَى الْمُحْدِثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ أَحْكَامُ نَسْخِ التِّلَاوَةِ فَنَسْخُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَقِيقَةِ نَسْخٌ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: نَسْخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَنْفِيِّ حُكْمٌ خَاصٌّ، وَهُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ) أَيْ مَثَلًا أَوْ أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ فِعْلَ اللِّسَانِ وَهُوَ اللَّفْظُ وَفِعْلَ الْقَلْبِ كَالِاعْتِقَادِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ لِرَدِّ مَا يُقَالُ، أَوْ الْخِطَابُ قَدِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ فَأَجَابَ بِأَنَّ إضَافَةَ الرَّفْعِ إلَى الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فَالرَّفْعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ الْحَادِثِ لَا لِلْخِطَابِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رَفْعًا لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ؛ إذْ لَا تَعَلُّقَ تَنْجِيزِيًّا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَلُّقِ الْمَرْفُوعِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّنْجِيزِيِّ فَيَشْمَلُ الْإِعْلَامِيَّ الثَّابِتَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ يُرَادُ بِرَفْعِ التَّنْجِيزِيِّ مَا يَشْمَلُ الْمَنْعَ مِنْ حُصُولِهِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالرَّفْعِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَأَوْرَدَ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ رَفْعُ الْإِبَاحَةِ إلَخْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ أَدْرَجَ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي الْحُكْمِ وَأَخْرَجَهَا بِالشَّرْعِيِّ اهـ.
وَأَجَابَ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ نُسْخَةِ الْكَمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ الشَّامِلُ لِخِطَابِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَلِنَحْوِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَبِقَيْدِ الشَّرْعِيِّ خَرَجَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إلَخْ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ خِطَابُ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ اهـ.
وَأَقُولُ بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْحُكْمِ بِهَذَا الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَحْدَثَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَغَيْرُ مَأْلُوفٍ وَلَا مَعْرُوفٍ؛ إذْ حَيْثُ