جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَجَمِيعِ صِفَاتِهَا، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ؛ إذْ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي يُوجِبُ كَذِبَهُ
(وَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) لِلْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْهُمَا وَنَفَاهُ دَاوُد وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ، وَالثَّانِي مُقْتَرِنٌ بِمُفَسَّرِهِ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّابِعُ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِهِ إلَى الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْكَلَامِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) اللَّفْظَ (أَوْضَحُ مِنْ) الْمُسَمَّى (اللُّغَوِيِّ) لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِ وَقِيلَ: لَا فِي النَّهْيِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مُجْمَلٌ وَالْآمِدِيُّ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ (وَقَدْ تَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ: اللَّفْظُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ (حَقِيقَةً فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ) مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا فَهُوَ فَرْعٌ فِي هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَرَدِّدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِفَ أَجْزَاؤُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ صَادِقَةً، وَأَنْ تَتَّصِفَ هِيَ بِهِمَا فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ كَاذِبَةً، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى مَاصَدَق الْقَضِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِجْمَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ اتِّصَافِهَا بِصِفَتَيْهَا وَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا بِهِمَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْمَعْنَى قَالَ: فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الْمُجْمَلِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ: جَمِيعُ أَجْزَائِهَا) أَيْ جُزْأَيْهَا فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) قَدْ يُقَالُ: هَلَّا كَانَتْ اسْتِحَالَةُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لَهَا، وَبَدَاهَةُ ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهَا قَرِينَةَ مُقَارَنَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَانِعَةٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْتَفِي الْإِجْمَالُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ) هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ هُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْقَرْءُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ أَمْثِلَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ بِمَعْرِضِ كَوْنِهِ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لَهُ، وَهَذَا يَرِدُ عَلَى دَاوُد إلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ أَوْ يَجْعَلَهُ ظَاهِرًا فِي الدَّمِ لِكَوْنِ الطُّهْرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) أَيْ الْمُلْتَقَى صِحَّتُهُ أَوْ فَسَادُهُ مِنْ الشَّرْعِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ: أَوْضَحُ مِنْ اللُّغَوِيِّ) أَيْ فَلَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ لَهُ مُسَمًّى شَرْعِيٌّ، وَمُسَمًّى لُغَوِيٌّ، وَكَذَلِكَ لَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَمَ شَخْصٍ مَعَ اسْتِعْمَالِهِ اسْمَ جِنْسٍ، وَمِنْ عِبَارَةِ بَعْضِ الشِّيعَةِ مَا اتَّفَقَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِمَامَةً تُسَمَّى السَّحَابَ فَاجْتَازَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَمَتِّعًا بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ مَعَهُ أَمَا رَأَيْتُمْ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا اللَّفْظِ فَبَلَغَ ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَشَيِّعِينَ فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ يُرِيدُ سَحَابَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
بَرِئْت مِنْ الْخَوَارِجِ لَسْت مِنْهُمْ ... مِنْ الْغَزَالِ مِنْهُمْ وَالرَّبَابِ
وَمِنْ قَوْمٍ إذَا ذَكَرُوا عَلِيًّا ... يَرُدُّونَ السَّلَامَ عَلَى السَّحَابِ
وَالْغَزَالِيُّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ رَئِيسُ الْمُعْتَزِلَةِ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالْغَزَلِ عَلَى النِّسَاءِ وَالرَّبَابِ بِبَاءَيْنِ هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مِنْ غُلَاةِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فِيهِ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ هُوَ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْمٌ لِلَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّفْظُ لَا يَتَعَذَّرُ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ إنَّمَا هُوَ الْمَدْلُولُ (قَوْلُهُ: فَيُرَدُّ) أَيْ اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ الْحَقِيقِيِّ