تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ عَلَى ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعَةٍ مِنْهُنَّ فِيمَا إذَا كَانَ نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ بِخِلَافِ نِكَاحِهِنَّ مُرَتَّبًا فَيُمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ

وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِمَحَلِّهِ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بَيَانُ شُرُوطِ النِّكَاحِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدُ نِكَاحٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَوَفُّرِ دَوَاعِي حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى نَقْلِهِ لَوْ وَقَعَ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (عَلَى سِتِّينَ مُدًّا) بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ طَعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا، فَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَمَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِإِعْطَائِهِ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ الْوَاحِدِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَدَفْعِ حَاجَةِ السِّتِّينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْمُضَافِ وَأُلْغِيَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ الظَّاهِرِ قَصْدُهُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَبَرَكَتِهِمْ وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا»

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ ضُمِّنَ مَعْنَى الْحَمْلِ فَعُدِّيَ بِعَلَى وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَالتَّأْوِيلُ يُعَدَّى بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهَمَّامِ: فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ شَارِحُهُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. فَالْمُرَادُ مُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ لَا كُلُّهُمْ

(قَوْلُهُ: لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ الثَّقَفِيِّ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَوَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ ابْنُ غَيْلَانَ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ الْغُنَيْمِيِّ (قَوْلُهُ: ابْتَدِئْ نِكَاحَ) أَيْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا كَانَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اللُّبِّ وَشَرْحِهِ كَتَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ إنْكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي فِي الْمَعِيَّةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهِ) أَيْ مَحَلِّ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَمْسِكْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَسْبِقْ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَلَى التَّفْصِيلِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ يُبَيِّنُ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يُفَصِّلْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْقَلْ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنَّهُ تَرَكَ الْبَيَانَ لِقِيَامِ قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَوْ أَتَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْعِلَاوَةِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: مَعَ كَثْرَتِهِمْ) أَيْ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ الَّذِي أَسْلَمُوا، وَهُمْ مُتَزَوِّجُونَ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَعَ) فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْلِ عَدَمُ الْوُقُوعِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا لَمْ تَتَوَفَّرْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ إذَا قُدِّرَ مُضَافٌ لَمْ يَكُنْ فِي سِتِّينَ مِسْكِينًا تَأْوِيلٌ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالتَّأْوِيلُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَهُوَ خِلَافُ مُفَادِ أَوَّلِ عِبَارَتِهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَوِي عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ الْمِسْكِينِ عَلَى الْمُدِّ

الثَّانِي: تَقْدِيرُ الْمُضَافِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَيْ طَعَامُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الطَّعَامِ غَيْرَ الْفُقَرَاءِ؛ إذْ الْمَعْنَى إطْعَامُ طَعَامٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي سِتِّينَ يَوْمًا) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ، وَإِلَّا فَجَوَازُ الْإِعْطَاءِ لِوَاحِدٍ يَصْدُقُ بِالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَأُلْغِيَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْإِمْدَادِ فَلَا يُقَالُ: الْعَدَدُ لَمْ يُلْغَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَبِالْجَرِّ صِفَةٌ لِعَدَدٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَلِأَنَّ طَعِمَ يَتَعَدَّى إلَى مَعْمُولَيْنِ، وَالْمُهِمُّ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُهِمِّ هُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الطَّعَامِ فَاعْتَبَرُوا الْمَسْكُوتَ وَتَرَكُوا الْمَذْكُورَ، وَهُوَ عَكْسُ الْحَقِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ) صَوَابُهُ تَضَافُرُ بِالضَّادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ تَضَافَرُوا عَلَى الشَّيْءِ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ اهـ. ز.

يُقَالُ: إنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ الظَّفَرِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ) أَيْ مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ شَرْطِيَّةٌ وَمَا مَزِيدَةٌ فِيهَا لِلتَّوْكِيدِ، وَامْرَأَةٍ مُضَافٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015