وَالْغَائِطِ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ لِلْعُرْفِ مَرْجُوحٌ فِي الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ الْمَوْضُوعِ لَهُ لُغَةً أَوَّلًا وَخَرَجَ النَّصُّ كَزَيْدٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ (وَالتَّأْوِيلُ حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ فَإِنْ حُمِلَ) عَلَيْهِ (لِدَلِيلٍ فَصَحِيحٌ، أَوْ لِمَا يُظَنُّ دَلِيلًا) وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْوَاقِعِ (فَفَاسِدٌ أَوْ لَا لِشَيْءٍ فَلَعِبٌ لَا تَأْوِيلٌ) هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ التَّأْوِيلُ قَرِيبٌ بِتَرْجِيحٍ عَلَى الظَّاهِرِ بِأَدْنَى دَلِيلٍ نَحْوُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ إلَيْهَا وَبَعِيدٌ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ كَثِيرًا فَقَالَ (وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَمْسِكْ) أَرْبَعًا (عَلَى ابْتَدِئْ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ) وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إلَّا أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وَهِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ، بَلْ الْمَجَازُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ) وَلَوْ شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ النَّصُّ) قَالَ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَيْ الشَّافِعِيَّةِ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ اهـ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ بِمَعْنَى وَاضِحِ الدَّلَالَةِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤَكَّدُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ فِي التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي فَائِدَةِ التَّأْكِيدِ إلَّا أَنَّ رَفْعَ التَّوَهُّمِ مِنْ حَيْثُ الْكَلَامُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهَا، وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ ظَنِّيَّةً لِاحْتِمَالِ التَّجَوُّزِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ أَيْضًا فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ الْأَعْلَامِ كَ حَاتِمٍ، وَإِلَّا فَهُوَ نَصٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَمْلُ الظَّاهِرِ) أَيْ صَرْفُهُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ لِدَلِيلٍ أَوْ شُبْهَةٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الصَّدْرَ دُونَ الْمُشْتَقِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّرْجَمَةِ نَظِيرُ مَا سَلَكَهُ فِي الظَّاهِرِ لِيُنَاسِبَ أَقْسَامَهُ الْآتِيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْ الْمُشْتَقِّ عَكْسُ الظَّاهِرِ وَالظُّهُورِ، وَخَرَجَ بِحَمْلِ الظَّاهِرِ حَمْلُ النَّصِّ عَلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِدَلِيلٍ وَحَمْلُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَلَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا اصْطِلَاحًا (قَوْلُهُ: فَصَحِيحٌ) أَيْ فَتَأْوِيلٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: فَلَعِبَ) فِيهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ لِإِخْرَاجِهِ قَيْدًا بِأَنْ يَقُولَ: لِدَلِيلٍ وَنَحْوِهِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُذِفَ الْقَيْدُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَعْدُ، وَالْحَذْفُ فِي التَّعَارِيفِ لِقَرِينَةٍ جَائِزٌ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ مُسْتَقِلَّةً عَلَى حِيَالِهَا، وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ
(قَوْلُهُ: نَحْوُ إذَا قُمْتُمْ) وَجْهُ قُرْبِ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَالَهُ إنَّ ظَاهِرَهُ، وَهُوَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا فَتَرَجَّحَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ وَنَظِيرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ، وَمِنْ الْقَرِيبِ أَيْضًا تَأْوِيلُ خَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى أَمْرِ الْإِيجَابِ؛ إذْ الْأَمْرُ وَرَدَ فِي خَبَرِ اسْتَاكُوا فَلَا يُنَافِي نَفْيُهُ الْمُفَادَ بِالْخَبَرِ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ لَأَمَرْتُهُمْ لَكِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فَلَمْ آمُرْهُمْ اهـ. ز.
وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَجْهُ قُرْبِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّفْظَ صَارَ ظَاهِرًا فِي الْعَزْمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَبَعِيدٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الدَّلِيلِ الْأَقْوَى وَقِيلَ مَعَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَكَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَرَجَّحُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِحَيْثُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَوْ عَارَضَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَقْوَى) أَيْ فَلَا يَكْفِي الْمُسَاوَاةُ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ) أَيْ حَمْلٌ أَشَارَ بِالتَّفْسِيرِ