مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْمُزَنِيِّ) مُنَافِي قَوْلِهِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَالْبَوْلُ فِيهِ يُنَجِّسُهُ بِشَرْطِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَذَلِكَ حِكْمَةُ النَّهْيِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكَذَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ لِلْقِرَانِ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ فِي الْحُكْمِ لِدَلِيلِ غَيْرِ الْقِرَانِ وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ لِمَا تَرَجَّحَ عَلَى الْقِرَانِ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدِيثِ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ وَيَكْفِي فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ.
(الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الشَّرْطُ) بِمَعْنَى صِيغَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ (مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ) احْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَائِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ كَقَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] فَالْجُمْلَتَانِ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَقْتَضِي بِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي إحْدَاهُمَا ثُبُوتُهُ فِي الْأُخْرَى أَيْ فَلَا يُقَالُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِلْقِرَانِ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ غَيْرُ الْمُسْتَقِلَّةِ كَالْوَاقِعَةِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ تَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ جُمْلَتَيْهِ مُسْتَقِلَّةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَنَفِيَّةُ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ قَيَّدَتْ، وَفِرْقَةٌ أَطْلَقَتْ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ (قَوْلُهُ: مِثَالُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ النَّهْيُ فَتَشَارَكَا فِيهِ وَاَلَّذِي لَمْ يُذْكَرْ هُوَ التَّنْجِيسُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) وَهُوَ كَوْنُ الْمَاءِ قَلِيلًا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ بَلَغَهُمَا وَتَغَيَّرَ عِنْدَنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَدَارُ التَّنْجِيسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِقِلَّةِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) أَيْ التَّنْجِيسُ مَعْلُومٌ أَيْ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ الْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ التَّنْجِيسُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي مِثَالِهِ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْقِرَانُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْقِرَانِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: لِمَا تَرَجَّحَ) أَيْ لِدَلِيلٍ تَرَجَّحَ، وَقَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْمَاءَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ) لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَيْرَ طَهُورٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ فَلَعَلَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ تَقْذِيرُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسْتَبْحَرُ إلَّا أَنْ يُلْتَزَمَ فِيهِ عَدَمُ النَّهْيِ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى صِيغَتِهِ) لِأَنَّهَا الْمَوْصُوفَةُ بِالِاتِّصَالِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ هُنَا الْجُمْلَةُ الْأُولَى مِنْ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا الْأَدَاةُ، وَإِطْلَاقُ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ لُغَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْجَزَاءِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ لُغَةً مُحَقِّقٌ ذَلِكَ نَعَمْ تَسْمِيَتُهَا شَرْطًا اصْطِلَاحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ إلَخْ) فَفِي عِبَارَتِهِ اسْتِخْدَامٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ نَفْسِهِ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ بِمَا ذُكِرَ الشَّرْطُ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُشْتَرَطِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَخْ فَفِي عِبَارَتِهِ تَسَمُّحٌ (قَوْلُهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلرُّكْنِ (قَوْلُهُ: بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ إلَخْ) الْقَيْدُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ.
وَالْقَيْدُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ، وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ: لِذَاتِهِ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا عَدَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ الْمَانِعُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الْعَدَمُ، وَإِخْرَاجُهُ فِيمَا سَبَقَ