فِي الْبَلَدِ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال فِي النَّهْيِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِأَنَّ نَهْيَ الْمَجْمُوعِ يُمْتَثَلُ بِانْتِهَاءِ بَعْضِهِمْ وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الإسراء: 33] وَنَحْوِهِ (وَلَا كُلِّيٌّ) أَيْ وَلَا مَحْكُومٌ فِيهِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَفْرَادِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْ حَقِيقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَقِيقَتِهَا وَكَثِيرًا مَا يَفْضُلُ بَعْضُ أَفْرَادِهَا بَعْضَ أَفْرَادِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْعَامِّ إلَى الْأَفْرَادِ.
(وَدَلَالَتُهُ) أَيْ الْعَامِّ (عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى) مِنْ الْوَاحِدِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ جَمْعٍ، وَالثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِيمَا هُوَ جَمْعٌ (قَطْعِيَّةٌ وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ ظَنِّيَّةٌ وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَا مَجْمُوعُ الدَّوَابِّ وَمَجْمُوعُ الطُّيُورِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ لِيُطَابِقَ الْخَبَرُ الْمُبْتَدَأَ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي النَّهْيِ كَلَا كَمَا فِي {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء: 33] فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَقْتُلْ مَجْمُوعُكُمْ النَّفْسَ فَإِذَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ قَتْلَ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ الْمَجْمُوعُ وَانْتِهَاءُ وَاحِدٍ عَنْ الْفِعْلِ دُونَ الْمَجْمُوعِ كَافٍ فِي تَحَقُّقِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَتَلَ وَهَذَا فَاسِدٌ ثُمَّ إنَّ تَخْصِيصَ الشَّارِحِ الْكَلَامَ بِالنَّهْيِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ فِي الْأَمْرِ كُلٌّ لَا كُلِّيَّةٌ لَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْلَال فَإِنْ قَوْلَهُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لِتُقِمْ هَيْئَتُكُمْ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الصَّلَاةَ فَإِذَا لَمْ يُقِمْهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مِنْ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ لَمْ تُقِمْهَا لِخُرُوجِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِالْعَامِّ عَلَيْهِ أَيْ كُلُّ فَرْدٍ.
وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ مَعْنَى نَهْيِ الْمَجْمُوعِ مَعْنَاهُ لَا تَجْتَمِعُوا عَنْ الْفِعْلِ لَا طَلَبَ الْكَفِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِكَفِّ الْكُلِّ كَالْأَمْرِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِطَلَبِ الْكَفِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ إلَّا عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ طَلَبَ الْكَفِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْكَفِّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا يَحْصُلُ بِكَفِّ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ إذَا تَخَلَّفَ فَرْدٌ صَدَقَ عَدَمُ كَفِّ الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْ الْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: نَحْوُ الرَّجُلُ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْوَاحِدِ) بَيَانٌ لِأَصْلِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فِيمَا هُوَ غَيْرُ جَمْعٍ) فِيهِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُثَنَّى مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى فِيهِ اثْنَانِ لَا وَاحِدٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا يَشْمَلُ الْمُثَنَّى أَوْ أَنَّهُ قَطَعَ النَّظَرَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صِيَغِ الْعَامِّ ثُمَّ هُوَ شَامِلٌ أَيْضًا لِاسْمِ الْجَمْعِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَأَمَّا اسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ كَتَمْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الِاثْنَيْنِ) عَلَى الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ فَأَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَمْعَ كَثْرَةٍ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِهِ مَعَ جَمْعِ الْقِلَّةِ فِي الْمَبْدَأِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَإِنْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ.
وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا وَجَمْعَ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالَاتِ وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ.
وَيَعْنِي الْمَقَامَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مَقَامُ التَّعْرِيفِ بِمَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمَحَالِّ هَذَا مِمَّا اُسْتُعِيرَ فِيهِ جَمْعُ الْقِلَّةِ لِجَمْعِ الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: قَطْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ خُرُوجَهُ بِالتَّخْصِيصِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ بَلْ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيِّ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ ظَنِّيَّةٌ وَحَمَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَا عَدَا الْأَقَلَّ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ) أَيْ مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ فِيهَا أَصْلُ الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: ظَنِّيَّةٌ) لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْمُفْرَدَ الْمُعَيَّنَ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ) عَزَاهُ لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ