كَانَ طَلَبُهُ طَلَبًا لِلْكَفِّ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِهِ وَلِكَوْنِ النَّفْسِيِّ هُوَ الطَّلَبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ سَاغَ لِلْمُصَنِّفِ نَقْلُ التَّضَمُّنِ فِيهِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ) هُوَ (لَا عَيْنُهُ وَلَا يَتَضَمَّنُهُ) وَالْمُلَازَمَةُ فِي الدَّلِيلِ مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْضُرَ الضِّدُّ حَالَ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبَ الْكَفِّ بِهِ (وَقِيلَ أَمْرُ الْوُجُوبِ يَتَضَمَّنُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ أَمْرِ النَّدْبِ فَلَا يَتَضَمَّنُ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ لِأَنَّ الضِّدَّ فِيهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ الضِّدِّ فِي أَمْرِ الْوُجُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ الْفَوْرِيِّ الَّذِي قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَتِهِ مِنْهُ لِيَكُونَ التَّلَبُّسُ بِضِدِّهِ مُفَوِّتًا لِلِامْتِثَالِ وَإِمَّا تَقْيِيدُ الضِّدِّ بِالْمُفَوَّتِ مَعَ إطْلَاقِ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ فَوْرِيًّا وَإِلَّا فَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَفْعَلَ الضِّدَّ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِالْمَأْمُورِ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَأْمُورُ لَا دَائِمًا وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ فَالضِّدُّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَطْ فِي الْأَمْرِ وَبِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ فِي النَّهْيِ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِارْتِكَابِ الضِّدِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَانَ طَلَبُهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ النَّفْسِيِّ) أَيْ عِنْدَنَا.
(قَوْلُهُ: هُوَ الطَّلَبُ الْمُسْتَفَادُ) أَيْ وَهُوَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ إنَّهُ الْإِرَادَةُ وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ إلَّا اللَّفْظِيَّ.
(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ.
(قَوْلُهُ: سَاغَ لِلْمُصَنِّفِ) لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهُ لِلْإِرَادَةِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ اللَّفْظِيَّانِ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَتْنِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْهُمَا مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْآمِدِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ.
قَالَ الْكَمَالُ: وَجَوَابُ الشَّارِحِ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي إثْبَاتِ النَّفْسِيِّ نِزَاعٌ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ يُقَيَّدُ طَلَبًا وَذَلِكَ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ هُوَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِ الضِّدِّ لَكِنَّهُمَا لَا يُسَمِّيَانِ ذَلِكَ طَلَبًا نَفْسِيًّا وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ مَعَ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ لِرَدِّ كُلٍّ أَدِلَّةَ الْآخَرِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ تَابِعٌ لِلْخِلَافِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ مُطْلَقِ الطَّلَبِ إلَّا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ إنَّهُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ إنَّهُ الْإِرَادَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الصِّفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ تَعَلُّقًا هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَطْلَقَ النَّفْسِيَّ وَأَرَادَ اللَّفْظِيَّ فَإِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ أَمَّا اللَّفْظِيُّ فَلَيْسَ إلَخْ (وَقَوْلُهُ وَالْمُلَازَمَةُ فِي الدَّلِيلِ) أَيْ دَلِيلِ الْقَوْلَيْنِ مَمْنُوعَةٌ أَيْ لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ وَبَيْنَ كَوْنِ طَلَبِهِ طَلَبًا لِلْكَفِّ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِهِ وَقَوْلُهُ لِجَوَازِ إلَخْ سَنَدٌ لِلْمَنْعِ فَهُوَ نَقْضٌ تَفْصِيلِيٌّ لِوُرُودِهِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ أَيْ يَجُوزُ عَدَمُ حُضُورِ الضِّدِّ بِذِهْنِ الْآمِرِ حَالَةَ الْأَمْرِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ لَهُ بِضِدِّهِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ طَالِبًا لِمَا لَا شُعُورَ لَهُ بِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُضُورِ مَا يَشْمَلُ حُضُورَ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ لَا يَتَوَجَّهَ الطَّلَبُ لِلْمُخَاطَبِ.
وَقَالَ سم إنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْعًا عَنْ مُلَاحَظَتِهِ وَيَسْتَحِيلُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا بِالْقَصْدِ لَا بِالتَّبَعِيَّةِ كَمَا هُنَا فَطَلَبُ الْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُلَاحَظَتِهِ لِكَوْنِهِ قَصْدِيًّا وَلَا كَذَلِكَ تَرْكُ الضِّدِّ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُلَاحَظَةُ الْمَطْلُوبِ بِالْقَصْدِ.
(قَوْلُهُ: مَطْلُوبُ الْكَفِّ بِهِ) أَيْ فِي الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) مَحِلُّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَيْ أَمْرِ الْوُجُوبِ فَقَطْ لَا أَمْرِ النَّدْبِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضِّدَّ فِيهِ) أَيْ فِي النَّدْبِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ بِهِ) أَيْ بِالنَّدْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ بِالْمَرَّةِ